وهذا عطف على قوله:{ أنها إذا جاءت لا يؤمنون} [ الأنعام:109] أي نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون .
واختلف في قوله:{ كما لم يؤمنوا به أول مرة} فقال كثير من المفسرين:المعنى نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة قال ابن عباس رضي الله عليهما في رواية عطاء عنه:ونقلب أفئدتهم وأبصارهم حتى يرجعوا إلى ما سبق عليهم من علمي . قال:وهذا كقوله:{ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [ الأنفال:24] .
وقال آخرون:المعنى:ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لتركهم الإيمان به أول مرة ، فعاقبناهم بتقليب أفئدتهم وأبصارهم . وهذا معنى حسن . فإن كاف التشبيه تتضمن نوعا من التعليل ، كقوله:{ وأحسن كما أحسن الله إليك} [ القصص:77] ، وقوله:{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم} [ البقرة:151 . 152] والذي حسن اجتماع التعليل والتشبيه:الإعلام بأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر .
و«التقليب »:تحويل الشيء من وجه إلى وجه ، وكان الواجب من مقتضى إنزال الآية ووصولهم إليها كما سألوا:أن يؤمنوا إذا جاءتهم ؛ لأنهم رأوها عيانا وعرفوا أدلتها وتحققوا صدقها ، فإذا لم يؤمنوا كان تقليبا لقلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي ينبغي أن تكون عليه ، وقد روى مسلم في «صحيحه » من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يصرفه كيف يشاء » ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك » ، وروى الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول:«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » فقلت:يا رسول الله ، آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال:نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء » ، قال الترمدي:هذا حديث حسن .
وروى حماد عن أيوب وهشام ويعلي بن زياد عن الحسن قال:قالت عائشة رضي الله تعالى عنها «دعوة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بها:«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » فقلت:يا رسول الله ، دعوة كثيرا ما تدعو بها ؟ قال:«إنه ليس من عبد إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله ، فإذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه » .
وقوله:{ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} قال:ابن عباس رضي الله عنهما:أخذلهم وأدعهم في ضلالهم يتمادون .