{وَنُقَلِّبُ}: نصرّفها من رأي إلى رأي ،حيرة واضطراباً ،فلا تدرك الحق ،وقلب الشيء: تصريفه ،وصرفه من وجه إلى وجه .
{يَعْمَهُونَ}: يترددون حيرةً .والعمهكما قال الراغبالتردد في الأمر من التحير .وقد مر سابقاً .
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ،ويكشف الله لنا الواقع الداخلي لهؤلاء ،فيحدِّثنا أنه يقلّب أفئدتهم فتتحرك هنا وهناك ،ولكن من دون جدوى ،ويقلّب أبصارهم ،فيتطلعون في هذا الجانب أو ذاك ،في ما يمكن أن يكشف وجه الحق في العقيدة ،ولكن من دون فائدة ،لأنهم لم يفتحوا قلوبهم ليتأملوا أو ليفكروا أو ليناقشوا ،ولم يفتحوا عيونهم ليشاهدوا أو لينظروا أو ليتطلعوا ،بل عملوا على أن يجمِّدوا حركة الفكر في عقولهم ،وحركة النور في أبصارهم ..ليبقى لهم الموقف المتعنِّت الجامد الذي وقفوه في البداية من الدعوة عند نزول القرآن .
{وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} ويتركهم الله لضلالهم الذي اختاروه لأنفسهم ،ويدعهم لطغيانهم الذي يتحيرون فيه ويتخبطون ،فلا يلجأون إلى قاعدة ،ولا يسكنون إلى طمأنينة ،بل هو القلق المدمّر الذي يفترس أعماقهم ،وإن حاولوا الظهور بمظهر الإنسان الواثق بنفسه الراضي بموقفه .
وقد جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} الآية ،في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرمحمد الباقر( ع )في الآية ،يقول: وننكّس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ،وتعمى أبصارهم فلا يبصرون الهدئ ،وقال علي بن أبي طالب( ع ): إن ما تقبلون عليه من الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بقلوبكم ،فمن لم يعرف قلبه معروفاً ولم ينكر منكراً نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه فلا يقبل خيراً أبداً