/م108
{ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} هذا عطف على قوله:«لا يؤمنون » وبيان لسنة الله تعالى في عدم إيمانهم برؤية الآية .أي وما يشعركم أيضا أننا نقلب أفئدتهم عند مجيء الآية بالخواطر والتأويلات ، والتفكير في استنباط الاحتمالات ، وأبصارهم في توهم التخيلات ، كشأنهم في عدم إيمانهم بما جاءهم أول مرة من الآيات وقيل الضمير في قوله « به » للقرآن وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام ، وتقليب الأبصار من قبيل قوله تعالى:{ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} [ الحجر:14 ، 15] فإن من لم يقنعه ما اشتمل عليه القرآن من الآيات العقلية العلمية ، لا يقنعه ما يراه بعينيه من الآيات الحسية ، بل يدعي أن عينيه خدعتا أو أصيبتا بآفة فهي لا ترى إلا صورا خيالية .أو أنه من أعمال السحر الصناعية ، وهل هذا إلا خلق الأولين ، في مكابرة آيات من بعث فيهم من المرسلين ؟
{ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} العمه التردد في الأمر من الحيرة فيه ، أي وندعهم في تجاوزهم الحدود في الكفر والعصيان ، المشابه لطغيان الماء في الطوفان ، الذي رسخوا فيه فترتب عليه ما ذكر من سنتنا في تقليب القلوب والأبصار ، يترددون متحيرين فيما سمعوا ورأوا من الآيات ، هل هو الحق المبين ، أم السحر الذي يخدع الناظرين ؟ وهل الأرجح إتباع الحق بعدما تبين ، أم المكابرة له والجدال فيه كبرا وأنفة من الخضوع لمن يرونه دونهم .وهذا صريح في أن رسوخهم في الطغيان ، الذي هو منتهى الإسراف في الكفر والعصيان .هو سبب تقليب القلوب والأبصار ، وإنما إسناده إلى الخالق لها لبيان سنته الحكيمة فيها .كغيره من ربط المسببات بأسبابها ، وإنما يخطئ كثير من الناس هذا الأمر الواقع لعدم التأمل فيه ، وتوهم أن جميع ما يسند إليه تعالى فهو من الخلق المستقل دون نظام للمقادير ، وهي نزعة قدرية داخلة في قولهم:«الأمر أنف » ، أي لا نظام فيه ولا قدر ، يتبعهم خصومهم فيها وهم لا يشعرون ، ويوقعهم التعصب للمذاهب في أظهر التناقض وهم غافلون ، فنسأله تعالى أن يثبت أفئدتنا وأبصارنا على الحق ، ويحفظنا من الطغيان والعمه في كل أمر ، ويجعلنا ممن أبصر بما جاءه من البصائر ، ويصلح لنا السرائر والظواهر .اللهم آمين .