{وَحَشَرْنَا}: الحشر: الجمع مع سوق ،وكل جمع حشر .
وتزداد الصورة وضوحاً ..فهناك قرارٌ حاسمٌ بعدم الإيمان ،لا مجال للتراجع عنه ،مهما قُدّم إليهم من براهين:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} أي: معاينةً ومشاهدة ،مما طلبوه وسألوه{مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} لأنهم لم يكونوا بصدد الإيمان ،لتكون هذه الآيات أساساً لما يريدونه من الإيمان ،{إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} بأن يجبرهم على الإيمان ،أو يهيّىء لهم الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك ،{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} سنن الله في قضية الإيمان والكفر ،ومشيئته في مجال الهدى والضلال ،وقدرته على كل شيء مما يتصل بشؤون خلقه .
ونلاحظ أن مثل هذه الصورةالنموذج لا تمثل نموذجاً تاريخيّاً فريداً ،لتكون مجرد حديث من أحاديث التاريخ ،وصورةً من صوره ،بل تمثل نموذجاً حيّاً متحركاً في كل زمانٍ ومكان ،وهو الإنسان الذي يتحول الانتماء عنده إلى مزاجٍ ،أو حالةٍ ذاتيةٍ ،فهو يؤمن لأن مزاجه يرتاح للإيمان ،لا لأنّ عقله يقتنع به ،وهو يكفر ،لأن الكفر يمثل في مزاجه حالة تمرّد ترضي بعض نزواته ،لا لأنه يفقد القاعدة الفكرية والروحية للإيمان ،ولكنهفي الوقت نفسهقد يشعر بالحرج أمام مجتمعه ،لأنه لا يملك المبرّر المعقول لإيمانه ،فيحاول أن يبحث عن المبرّرات التي يصرُّ على صفتها التبريريّة ،مهما كانت وسائله ضعيفة ،وحججه غير مقنعة ،لأنه لا يبحث عن وسائل الاقتناع ،فهو ليس بصدد ذلك كله ،بل يبحث عن وسائل التبرير لمجرد التبرير ،ولذلك فإنه إذا أفنى أحدوثةً مطَّها بأخرى ،وإذا سقطت لديه حجّةٌ حاول أن يتعلق بحجة أخرى ،فقد اتخذ قراره من البداية ،وليس مستعدّاً أن يرجع عنه مهما كانت الظروف والنتائج .