قوله تعالى:{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون} .
ذلك تيئيس من إيمان هؤلاء المشركين الضالين الذين ختم الله على قلوبهم والذين فسدت فيهم الفطرة فتبدد من طبائعهم وأكناههم كل معلم من معالم الاستعداد الذاتي .فما عاد هؤلاء بعد ذلك ليستقلبوا الإيمان أو التوحيد الخالص لله أو الامتثال لأوامره .لا جرم أن هذا الصنف من البشر ممسوخ الفطرة والقلب ،لو جيء إليه بكل آية أو معجزة أو خارق من خوارق الطبيعة ما آمن ولا استجاب لنداء الحق ولكنه سيظل سادرا في غيه وفسقه وشروده الجامح الأثيم إلى أن يصير في النهاية إلى جهنم ليكبكب فيها كبكبة القذارة أو الحجارة .
قوله:{ولو أننا نزلنا إليهم الملئكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} يبين الله عدم الاقتصار على ما طلبه المشركون واقترحوه من معاينة الآيات بل يقول: لو نزلنا عليهم الملائكة فشاهدوهم معاينة ،وأحيينا لهم الموتى ليشهدوا لهم بحقية الإيمان وصدق رسالة الإسلام وهم يسمعونهم سماعا ويرونهم عيانا ،وكذلك لو جمعنا عليهم كل شيء قبيلة قبيلة وصنفا صنفا وجماعة جماعة فقابلولهم وواجهوهم وبينوا لهم حقية التوحيد والنبوة{ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} جواب لو .
أي أنهم لا يؤمنون ،على كثرة الآيات والمعجزات المذكورة .فهم مساقون إلى أن يفعلوا ما يصدر عنهم من شرك وعصيان .وذلك باختيارهم ولسوء استعدادهم الثابت في علم الله الأزلي .وليس بالإكراه والجبر .قوله:{ولكن أكثرهم يجهلون} أي يجهلون أنهم لو أتوا بكل آية لا يؤمنون وقيل: يجهلون الحق .وقيل: يجهلون أن كل ذلك من الله وبقضائه وقدره{[1248]} .