في جيدها حبل من مسد ) يعني:تحمل الحطب فتلقي على زوجها ، ليزداد على ما هو فيه ، وهي مهيأة لذلك مستعدة له .
( في جيدها حبل من مسد ) قال مجاهد وعروة:من مسد النار .
وعن مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والثوري ، والسدي:( حمالة الحطب ) كانت تمشي بالنميمة ، [ واختاره ابن جرير] .
وقال العوفي ، عن ابن عباس ، وعطية الجدلي ، والضحاك ، وابن زيد:كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختاره ابن جرير .
قال ابن جرير:وقيل:كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب ، فعيرت بذلك .
كذا حكاه ، ولم يعزه إلى أحد . والصحيح الأول ، والله أعلم .
قال سعيد بن المسيب:كانت لها قلادة فاخرة فقالت:لأنفقنها في عداوة محمد يعني:فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سليم مولى الشعبي ، عن الشعبي قال:المسد:الليف .
وقال عروة بن الزبير:المسد:سلسلة ذرعها سبعون ذراعا .
وعن الثوري:هو قلادة من نار ، طولها سبعون ذراعا .
وقال الجوهري:المسد:الليف . والمسد أيضا:حبل من ليف أو خوص ، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ، ومسدت الحبل أمسده مسدا:إذا أجدت فتله .
وقال مجاهد:( في جيدها حبل من مسد ) أي:طوق من حديد ، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا ؟
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي وأبو زرعة ، قالا:حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن ابن تدرس ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت:لما نزلت:( تبت يدا أبي لهب ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ، ولها ولولة ، وفي يدها فهر ، وهي تقول:
مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال:يا رسول الله ، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنها لن تراني ". وقرأ قرآنا اعتصم به ، كما قال تعالى:( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) [ الإسراء:45] . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:يا أبا بكر ، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟ قال:لا ورب هذا البيت ما هجاك . فولت وهي تقول:قد علمت قريش أني ابنة سيدها . قال:وقال الوليد في حديثه أو غيره:فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت ، فقالت:تعس مذمم . فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب:إني لحصان فما أكلم ، وثقاف فما أعلم ، وكلنا من بني العم ، وقريش بعد أعلم .
وقال الحافظ أبو بكر البزار:حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق ، قالا:حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:لما نزلت:( تبت يدا أبي لهب ) جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، ومعه أبو بكر . فقال له أبو بكر:لو تنحيت لا تؤذيك بشيء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه سيحال بيني وبينها ". فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت:يا أبا بكر ، هجانا صاحبك . فقال أبو بكر:لا ورب هذه البنية ما نطق بالشعر ولا يتفوه به . فقالت:إنك لمصدق ، فلما ولت قال أبو بكر ، رضي الله عنه:ما رأتك ؟ قال:"لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت ".
ثم قال البزار:لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد ، عن أبي بكر ، رضي الله عنه .
وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى:( في جيدها حبل من مسد ) أي:في عنقها حبل في نار [ جهنم] ترفع به إلى شفيرها ، ثم يرمى بها إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما .
قال أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير - وقد روى ذلك - وعبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب "النبات ":كل مسد:رشاء ، وأنشد في ذلك:
وبكرة ومحورا صرارا ومسدا من أبق مغارا
قال:والأبق:القنب .
وقال الآخر:
يا مسد الخوص تعوذ مني إن تك لدنا لينا فإني
ما شئت من أشمط مقسئن
قال العلماء:وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى:( سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ) فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان ، لم يقيض لهما أن يؤمنا ، ولا واحد منهما لا ظاهرا ولا باطنا ، لا مسرا ولا معلنا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة .
[ آخر تفسير "تبت "ولله الحمد والمنة]