أما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وقد تقدم ذكره في سورة مريم ، وكذلك إدريس ، عليه السلام وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي . وقال آخرون:إنما كان رجلا صالحا ، وكان ملكا عادلا وحكما مقسطا ، وتوقف ابن جرير في ذلك ، فالله أعلم .
وقال ابن جريج ، عن مجاهد في قوله:( وذا الكفل ) قال:رجل صالح غير نبي ، تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فسمي:ذا الكفل . وكذا روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أيضا .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا داود ، عن مجاهد قال:لما كبر اليسع قال:لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي ، حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس ، فقال:من يتقبل مني بثلاث:أستخلفه يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب . قال:فقام رجل تزدريه العين ، فقال:أنا . فقال:أنت تصوم النهار ، وتقوم الليل ، ولا تغضب؟ قال:نعم ، قال:فردهم ذلك اليوم ، وقال مثلها في اليوم الآخر ، فسكت الناس ، وقام ذلك الرجل وقال:أنا . فاستخلفه ، قال:وجعل إبليس يقول للشياطين:عليكم بفلان . فأعياهم ذلك ، قال:دعوني وإياه ، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة - وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة - فدق الباب ، فقال:من هذا؟ قال:شيخ كبير مظلوم . قال:فقام ففتح الباب ، فجعل يقص عليه ، فقال:إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني ، وفعلوا بي وفعلوا . وجعل يطول عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة ، فقال:إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك . فانطلق ، وراح . فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ؟ فلم يره ، فقام يتبعه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس ، وينتظره ولا يراه ، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه ، أتاه فدق الباب ، فقال:من هذا؟ قال الشيخ الكبير المظلوم . ففتح له فقال:ألم أقل لك إذا قعدت فأتني؟ قال:إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا:نحن نعطيك حقك . وإذا قمت جحدوني . قال:فانطلق ، فإذا رحت فأتني . قال:ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينتظره ولا يراه ، وشق عليه النعاس ، فقال لبعض أهله:لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شق علي النوم . فلما كان تلك الساعة أتاه فقال له الرجل:وراءك وراءك؟ فقال:إني قد أتيته أمس ، فذكرت له أمري ، فقال:لا والله لقد أمرنا ألا ندع أحدا يقربه . فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت ، فتسور منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدق الباب من داخل ، قال:فاستيقظ الرجل فقال:يا فلان ، ألم آمرك؟ فقال أما من قبلي والله فلم تؤت ، فانظر من أين أتيت؟ قال:فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت ، فعرفه ، فقال:أعدو الله؟ قال:نعم ، أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك . فسماه الله ذا الكفل ; لأنه تكفل بأمر فوفى به .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث زهير بن إسحاق ، عن داود ، عن مجاهد ، بمثله .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال:قال ابن عباس:كان قاض في بني إسرائيل ، فحضره الموت ، فقال:من يقوم مقامي على ألا يغضب؟ قال:فقال رجل:أنا . فسمي ذا الكفل . قال:فكان ليله جميعا يصلي ، ثم يصبح صائما فيقضي بين الناس - قال:وله ساعة يقيلها - قال:فكان كذلك ، فأتاه الشيطان عند نومته ، فقال له أصحابه:ما لك؟ قال:إنسان مسكين ، له على رجل حق ، وقد غلبني عليه . قالوا:كما أنت حتى يستيقظ - قال:وهو فوق نائم قال:فجعل يصيح عمدا حتى يوقظه ، قال:فسمع ، فقال:ما لك؟ قال:إنسان مسكين ، له على رجل حق . قال:اذهب فقل له يعطيك . قال:قد أبى . قال:اذهب أنت إليه . قال:فذهب ، ثم جاء من الغد ، فقال:ما لك؟ قال:ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأسا . قال:اذهب إليه فقل له يعطيك حقك ، قال:فذهب ، ثم جاء من الغد حين قال ، قال:فقال له أصحابه:اخرج ، فعل الله بك ، تجيء كل يوم حين ينام ، لا تدعه ينام؟ . فجعل يصيح:من أجل أني إنسان مسكين ، لو كنت غنيا؟ قال:فسمع أيضا ، فقال:ما لك؟ قال:ذهبت إليه فضربني . قال:امش حتى أجيء معك . قال:فهو ممسك بيده ، فلما رآه ذهب معه نثر يده منه ففر .
وهكذا روي عن عبد الله بن الحارث ، ومحمد بن قيس ، وابن حجيرة الأكبر ، وغيرهم من السلف ، نحو من هذه القصة ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهر ، أخبرنا سعيد بن بشير ، حدثنا قتادة ، عن أبي كنانة بن الأخنس قال:سمعت الأشعري وهو يقول على هذا المنبر:ما كان ذو الكفل بنبي ، ولكن كان - يعني:في بني إسرائيل - رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة ، فتكفل له ذو الكفل من بعده ، فكان يصلي كل يوم مائة صلاة ، فسمي ذا الكفل .
وقد رواه ابن جرير من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال:"قال أبو موسى الأشعري . . . "فذكره منقطعا ، والله أعلم .
وقد روى الإمام أحمد حديثا غريبا فقال:
حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعد مولى طلحة ، عن ابن عمر قال:سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين - حتى عد سبع مرات - ولكن قد سمعته أكثر من ذلك ، قال:"كان الكفل من بني إسرائيل ، لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا ، على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ، أرعدت وبكت ، فقال:ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت:لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط ، وإنما حملني عليه الحاجة . قال:فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ فنزل فقال:اذهبي فالدنانير لك . ثم قال:"والله لا يعصي الله الكفل أبدا . فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه:قد غفر الله للكفل ".
هكذا وقع في هذه الرواية "الكفل "، من غير إضافة ، فالله أعلم . وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وإسناده غريب ، وعلى كل تقدير فلفظ الحديث إن كان "الكفل "، ولم يقل:"ذو الكفل "، فلعله رجل آخر ، والله أعلم .