وقوله:( وفديناه بذبح عظيم ) قال سفيان الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، رضي الله عنه:( وفديناه بذبح عظيم ) قال:بكبش أبيض أعين أقرن ، قد ربط بسمرة - قال أبو الطفيل وجدوه مربوطا بسمرة في ثبير
وقال الثوري أيضا ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار ، حدثنا داود العطار ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء ابنه ، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء ، فذبحه ، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه ، فكان مخزونا حتى فدي به إسحاق .
وروي أيضا عن سعيد بن جبير أنه قال:كان الكبش يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير ، وكان عليه عهن أحمر .
وعن الحسن البصري:أنه كان اسم كبش إبراهيم:جرير .
وقال ابن جريج:قال عبيد بن عمير:ذبحه بالمقام . وقال مجاهد:ذبحه بمنى عند المنحر . وقال هشيم ، عن سيار ، عن عكرمة ; أن ابن عباس كان أفتى الذي جعل عليه نذرا أن ينحر نفسه ، فأمره بمائة من الإبل . ثم قال بعد ذلك:لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا ، فإن الله تعالى قال في كتابه:( وفديناه بذبح عظيم ) والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فدي بكبش . وقال الثوري ، عن رجل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله:( وفديناه بذبح عظيم ) قال:وعل .
وقال محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقول:ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى ، أهبط عليه من ثبير .
وقد قال الإمام أحمد:حدثنا سفيان ، حدثنا منصور ، عن خاله مسافع ، عن صفية بنت شيبة قالت:أخبرتني امرأة من بني سليم - ولدت عامة أهل دارنا - أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن طلحة - وقال مرة:إنها سألت عثمان:لم دعاك النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال:قال:"إني كنت رأيت قرني الكبش ، حين دخلت البيت ، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما ، فخمرهما ، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي ". قال سفيان:لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت ، فاحترقا .
وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل - عليه السلام - فإن قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدى به إبراهيم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل ، إلى أن بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فصل في ذكر الآثار الواردة عن السلف في أن الذبيح من هو ؟:
ذكر من قال:هو إسحاق [ عليه السلام]:
قال حمزة الزيات ، عن أبي ميسرة ، رحمه الله ، قال:قال يوسف - عليه السلام - للملك في وجهه:ترغب أن تأكل معي ، وأنا - والله - يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله .
وقال الثوري ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل:إن يوسف - عليه السلام - قال للملك كذلك أيضا .
وقال سفيان الثوري ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه قال:"قال موسى:يا رب ، يقولون:يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال:إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه . وإن إسحاق جاد لي بالذبح ، وهو بغير ذلك أجود . وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن ".
وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص قال:افتخر رجل عند ابن مسعود فقال:أنا فلان بن فلان ، ابن الأشياخ الكرام . فقال عبد الله:ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله [ صلوات الله وسلامه عليهم] .
وهذا صحيح إلى ابن مسعود ، وكذا روى عكرمة ، عن ابن عباس أنه إسحاق . وعن أبيه العباس ، وعلي بن أبي طالب مثل ذلك . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، وعبيد بن عمير ، وأبو ميسرة ، وزيد بن أسلم ، وعبد الله بن شقيق ، والزهري ، والقاسم بن أبي بزة ، ومكحول ، وعثمان بن حاضر ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، وأبو الهذيل ، وابن سابط . وهو اختيار ابن جرير . وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق .
وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر ، عن الزهري ، عن أبي سفيان بن العلاء ، بن جارية ، عن أبي هريرة ، عن كعب الأحبار ، أنه قال:هو إسحاق .
وهذه الأقوال - والله أعلم - كلها مأخوذة عن كعب الأحبار ، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر ، رضي الله عنه عن كتبه ، فربما استمع له عمر - رضي الله عنه - فترخص الناس في استماع ما عنده ، ونقلوا عنه غثها وسمينها ، وليس لهذه الأمة - والله أعلم - حاجة إلى حرف واحد مما عنده . وقد حكى البغوي هذا القول بأنه إسحاق عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والعباس ، ومن التابعين عن كعب الأحبار ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومسروق ، وعكرمة ، ومقاتل ، وعطاء ، والزهري ، والسدي - قال:وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس . وقد ورد في ذلك حديث - لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ، ولكن لم يصح سنده - قال ابن جرير:
حدثنا أبو كريب ، حدثنا زيد بن حباب ، عن الحسن بن دينار ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره قال:هو إسحاق .
ففي إسناده ضعيفان ، وهما الحسن بن دينار البصري ، متروك . وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث . وقد رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، به مرفوعا . . ثم قال:قد رواه مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأحنف ، عن العباس قوله ، وهذا أشبه وأصح .
[ ذكر الآثار الواردة بأنه إسماعيل - عليه السلام - وهو الصحيح المقطوع به] .
قد تقدمت الرواية عن ابن عباس أنه إسحاق . قال سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي ، ويوسف بن مهران ، ومجاهد ، وعطاء ، وغير واحد ، عن ابن عباس ، هو إسماعيل - عليه السلام - .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال:المفدى إسماعيل - عليه السلام - وزعمت اليهود أنه إسحاق ، وكذبت اليهود .
وقال إسرائيل ، عن ثور ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال:الذبيح إسماعيل .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد:هو إسماعيل . وكذا قال يوسف بن مهران .
وقال الشعبي:هو إسماعيل - عليه السلام - وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة .
وقال محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، وعمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري:أنه كان لا يشك في ذلك:أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل .
قال ابن إسحاق:وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول:إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل . وإنا لنجد ذلك في كتاب الله ، وذلك أن الله حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال:( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) . يقول الله تعالى:( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، يقول بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من [ الله] الموعد بما وعده ، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل .
وقال ابن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم ; أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام ، فقال له عمر:إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما قلت . ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام ، كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنه من علمائهم ، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك - قال محمد بن كعب:وأنا عند عمر بن عبد العزيز - فقال له عمر:أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال:إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن يهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ، على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ، ويزعمون أنه إسحاق ، بكون إسحاق أبوهم ، والله أعلم أيهما كان ، وكل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لله - عز وجل - .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله:سألت أبي عن الذبيح ، من هو ؟ إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال:إسماعيل . ذكره في كتاب الزهد .
وقال ابن أبي حاتم:وسمعت أبي يقول:الصحيح أن الذبيح إسماعيل - عليه السلام - . قال:وروي عن علي ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وأبي الطفيل ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد ، والشعبي ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وأبي صالح أنهم قالوا:الذبيح إسماعيل .
وقال البغوي في تفسيره:وإليه ذهب عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والسدي ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي ، وهو رواية عن ابن عباس ، وحكاه أيضا عن أبي عمرو بن العلاء .
وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال:حدثني محمد بن عمار الرازي ، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي ، عن عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - عن أبيه:حدثني عبد الله بن سعيد ، عن الصنابحي قال:كنا عند معاوية بن أبي سفيان ، فذكروا الذبيح:إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال على الخبير سقطتم ، كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال:يا رسول الله ، عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له:يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان ؟ فقال:إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها عليه ، ليذبحن أحد ولده ، قال:فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا:افد ابنك بمائة من الإبل . ففداه بمائة من الإبل ، وإسماعيل الثاني .
وهذا حديث غريب جدا . وقد رواه الأموي في مغازيه:حدثنا بعض أصحابنا ، أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا عمر بن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا الصنابحي قال:حضرنا مجلس معاوية ، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ، وذكره . كذا كتبته من نسخة مغلوطة .
وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى:( فبشرناه بغلام حليم ) ، فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله:( وبشروه بغلام عليم ) [ الذاريات:28] . وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي ، أي العمل . ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضا . قال:وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد الشام . قال:وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك . هذا ما اعتمد عليه في تفسيره ، وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم ، بل هو بعيد جدا ، والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى ، والله أعلم .