وقوله:( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) ، قيل:لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء . قاله الضحاك بن قيس ، وأبو العالية ، ووهب بن منبه ، وقتادة ، وغير واحد . واختاره ابن جرير . وقد ورد في الحديث الذي سنورده ما يدل على ذلك إن صح الخبر . وفي حديث عن ابن عباس:"تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة "
وقال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعطاء بن السائب ، والسدي ، والحسن ، وقتادة:( فلولا أنه كان من المسبحين ) يعني:المصلين .
وصرح بعضهم بأنه كان من المصلين قبل ذلك . وقال بعضهم:كان من المسبحين في جوف أبويه . وقيل:المراد:( فلولا أنه كان من المسبحين ) هو قوله:( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) [ الأنبياء:87 ، 88] قاله سعيد بن جبير وغيره .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي حدثنا أبو صخر:أن يزيد الرقاشي حدثه:أنه سمع أنس بن مالك - ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أن يونس النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات ، وهو في بطن الحوت ، فقال:اللهم لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين . فأقبلت الدعوة تحف بالعرش ، قالت الملائكة:يا رب ، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة ؟ فقال:أما تعرفون ذلك ؟ قالوا:يا رب ، ومن هو ؟ قال:عبدي يونس . قالوا:عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ، ودعوة مستجابة ؟ قالوا:يا رب ، أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء ؟ قال:بلى . فأمر الحوت فطرحه بالعراء ".
ورواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، به زاد ابن أبي حاتم:قال أبو صخر حميد بن زياد:فأخبرني ابن قسيط وأنا أحدثه هذا الحديث:أنه سمع أبا هريرة يقول:طرح بالعراء ، وأنبت الله عليه اليقطينة . قلنا:يا أبا هريرة ، وما اليقطينة ، قال:شجرة الدباء . قال أبو هريرة:وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو قال:هشاش الأرض - قال:فتتفشح عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت .
وقال أمية بن أبي الصلت في ذلك بيتا من شعره:
فأنبت يقطينا عليه برحمة من الله لولا الله ألفي ضاحيا
وقد تقدم حديث أبي هريرة مسندا مرفوعا في تفسير سورة "الأنبياء ".