قوله:( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) اختلفت القرّاء في قراءته, فقرأته عامة قراء الأمصار سوى عاصم ( يُضَاعفْ ) جزما( وَيَخْلُدْ ) جزما. وقرأه عاصم:( يضَاعَفُ ) رفعا( وَيَخْلُدُ ) رفعا كلاهما على الابتداء, وأن الكلام عنده قد تناهى عند ( يَلْقَ أَثَامًا ) ثم ابتدأ قوله:( يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ ). والصواب من القراءة عندنا فيه:جزم الحرفين كليهما:يضاعفْ, ويخلدْ, وذلك أنه تفسير للأثام لا فعل له, ولو كان فعلا له كان الوجه فيه الرفع, كما قال الشاعر:
مَتـى تأْتِـهِ تَعْشُـو إلـى ضَـوْءِ نَارِهِ
تَجِـدْ خَـيْرَ نَـارٍ عِنْدَهَـا خَـيْرُ مُوقِدِ (2)
فرفع تعشو, لأنه فعل لقوله تأته, معناه:متى تأته عاشيا.
وقوله ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) ويبقى فيه إلى ما لا نهاية في هوان.
------------------------
الهوامش:
(2) البيت للحطيئة ( اللسان:عشا ) . قال:عشا إلى النار وعشاها عشوًا وعشوًا (كفعول ) واعتشاها واعتشى بها:كله:رآها ليلا على بعد ، فقصدها مستضيئا بها ؛ قال الحطيئة:* متــــى تأتـــه تعشـــو *
البيت . أي متى تأته لا تتبين ناره من ضعف بصرك . ا هـ . وجملة تعشو:في محل نصب على الحال . ولذلك قال المؤلف:فرفع تعشو لأنه فعل لقوله تأته ، أي:هو حال من فاعل تأته . أي متى تأته عاشيًا . أما ما رواه الطبري من أن القراء مختلفون في قراءة:(يضاعف ) جزمًا ورفعًا فهو كلام وجيه ، ولكل قراءة تأويلها من جهة النحو ، ولكنه يؤثر رواية الجزم على التفسير ، أي البدل مما قبله ، وهو (يلق ) والذي ذهب إليه المؤلف تبع فيه الفراء في معاني القرآن (مصور الجامعة رقم 24059 ص 226) قال:وقوله:{ ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة}:قرأت القراء بجزم{ يضاعف} ورفعه عاصم بن أبي النجود ؛ والوجه الجزم . وذلك إن فسرته ولم يكن فعلا لما قبله ( أي مصاحبا الفعل الذي قبله) فالوجه الجزم . وما كان فعلا لما قبله رفعته ، فأما المفسر للمجزوم ( أي المبدل منه ) فقوله:{ومن يفعل ذلك يلق أثاما} ثم فسر الأثام ، فقال{ يضاعف له العذاب} . ومثله في الكلام:"إن تكلمني توصني بالخير والبر أقبل منك". ألا ترى أنك فسرت الكلام بالبر ، ولم يكن له فعلا له ، فلذلك جزمت ، ولو كان الثاني فعلا للأول لرفعته ، كقولك:"إن تأتنا تطلب الخير تجده ". ألا ترى تجد تطلب فعلا للإتيان ، كقيلك:إن تأتنا طالبًا للخير تجده ، قال الشاعر:متــــى تأتـــه تعشـــو ...
"البيت ، فرفع تعشو لأنه أراد:متى تأته عاشيًا . ورفع عاصم{يضاعف له} ، لأنه أراد الاستئناف ، كما تقول:إن تأتنا نكرمك ، نعطيك كل ما تريد ، لا على الجزاء .