وأما قوله:( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) فإن ابن زيد قال في ذلك ما حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله:( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) قال:لا يُعجزه أهل الأرضين في الأرضين، ولا أهل السموات في السموات إن عصوه، وقرأمِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
وقال في ذلك بعض أهل العربية من أهل البصرة:( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا ) من (فِي السَّمَاءِ) مُعْجِزِينَ قال:وهو من غامض العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني، قال:ومثله قول حسان بن ثابت:
أمَــنْ يَهْجُــو رَسُـولَ اللـهِ مِنْكُـمْ
وَيَمْدَحُـــهُ وَيَنْصُـــرُه سَــواءُ? (2)
أراد:ومن ينصره ويمدحه، فأضمر "مَنْ". قال:وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لمنْ هذه الظاهرة، ومثله في الكلام:أكرمْ من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا. تريد:ومن لم يأت زيدا، فيكتفي باختلاف الأفعال من إعادة (مَنْ)، كأنه قال:أمَن يهجو، ومن يمدحه، ومن ينصره. ومنه قول الله عزّ وجلّ:&; 20-23 &;وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِوهذا القول أصحّ عندي في المعنى من القول الآخر، ولو قال قائل:معناه:ولا أَنتم بمعجزين في الأرض، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين كان مذهبا.
وقوله:( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) يقول:وما كان لكم أيها الناس من دون الله من وليّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم منه الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحل بكم عقوبته.
------------------
الهوامش:
(2) البيت لحسان بن ثابت وقد تقدم الاستشهاد به، وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 244 من مصورة الجامعة) قال:وقوله:(وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء) يقول القائل:وكيف وصفهم أنهم لا يعجزون في الأرض ولا في السماء، وليسوا من أهل السماء؟ فالمعنى، والله أعلم، ما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا من السماء بمعجز. وهو من غامض العربية، للضمير الذي لم يظهر في الثاني. ومثله قول حسان:"فمن يهجو ... "البيت. أراد:ومن ينصره ويمدحه، فأضمر "من"، وقد يقع في وهم السامع أن المدح والنصر لمن هذه الظاهرة. ومثله في الكلام:أكرم من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدًا؛ تريد:ومن لم يأت زيدًا. اهـ.