وقوله:( يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ) بفتح الفاء، قرأ ذلك قرّاء الأمصار، لأن العين في الفعل منه مكسورة، وإذا كانت العين من يفعل مكسورة، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مَفعَل، فتقول:فرّ يفرّ مفرّا، يعني فرًّا، كما قال الشاعر:
يــا لَبَكْــرٍ انْشِــرُوا لـي كُلَيْبـا
يــا لَبَكْــرٍ أيْــنَ أيْــنَ الْفِـرَارُ (10)
إذا أريد هذا المعنى من مفعل قالوا:أين المفرّ بفتح الفاء، وكذلك المدبّ من دبّ يدبّ، كما قال بعضهم:
كــأنَّ بَقايــا الأثْـرِ فَـوْقَ مُتُونِـه
مَـدَبُّ الـدَّبَى فَـوْقَ النَّقا وَهْوَ سارِح (11)
وقد يُنشد بكسر الدال، والفتح فيها أكثر، وقد تنطق العرب بذلك، وهو مصدر بكسر العين. وزعم الفرّاء أنهما لغتان، وأنه سُمع:جاء على مَدبّ السيل، ومدِبّ السيل، وما في قميصه مصَحّ ومصِحّ. فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مَفْعَل إذا كان الفعل على يَفعِل، وإنما يُجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفرّ إليه، وكذلك المضرب:المكان الذي يضرب فيه إذا كُسرت الراء. ورُوِي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء، ويقول:إنما المفِرّ:مفِر الدابة حيث تفرّ.
والقراءة التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المَفرّ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار، وهو في هذا الموضع الفرار. وتأويل الكلام:يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة:أين المفرّ من هول هذا الذي قد نـزل، ولا فرار.