وبعد أن دعا أيوب ربه- تعالى- بهذه الثقة، وبهذا الأدب والإخلاص، كانت الإجابة المتمثلة في قوله- تعالى-:فَاسْتَجَبْنا لَهُ أى دعاءه وتضرعه فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ أى:فأزلنا ما نزل به من بلاء في جسده، وجعلناه سليما معافى. بأن أمرناه أن يضرب برجله الأرض ففعل، فنبعت له عين فاغتسل منها، فزال عن بدنه كل مرض أصابه بإذن الله- تعالى-.
قال- سبحانه-:وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ.. .
وقال- تعالى-:وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أى:لم نخيب رجاء أيوب حين دعانا، بل استجبنا له دعاءه، بفضلنا وكرمنا، فأزلنا عنه المرض الذي نزل به، ولم نكتف بهذا- أيضا- بل عوضناه عمن فقده من أولاده، ورزقناه مثلهم معهم.
قال الآلوسى ما ملخصه:«قوله:وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال:سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله:وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ فقال:«رد الله- تعالى- امرأته إليه، وزاد في شبابها، حتى ولدت له ستا وعشرين ذكرا» .
فالمعنى على هذا:آتيناه في الدنيا مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر.
وعن قتادة:إن الله أحيا له أولاده الذين هلكوا في بلائه، وأوتى مثلهم في الدنيا...
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله- تعالى-:رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ أى:أجبنا له دعاءه، وفعلنا معه ما فعلناه من ألوان الخيرات، من أجل رحمتنا به، ومن أجل أن يكون ما فعلناه معه عبرة وعظة وذكرى لغيره من العابدين حتى يقتدوا به في صبره على البلاء، وفي المداومة على شكرنا في السراء والضراء.
وخص- سبحانه- العابدين بالذكرى، لأنهم أكثر الناس بلاء وامتحانا. ففي الحديث الشريف:«أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» .
وفي حديث آخر:«يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه».
وقد كان أيوب آية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك.
هذا، وقصة أيوب- عليه السلام- ستأتى بصورة أكثر تفصيلا في سورة «ص» ، وقد تركنا هنا أقوالا عن كيفية مرضه، وعن مدة هذا المرض.. نظرا لضعفها، ومنافاتها لعصمة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- من الأمراض المنفرة.
ثم أشارت السورة إشارات مجملة إلى قصة كل من إسماعيل وإدريس وذي الكفل، قال- تعالى-: