لكون ثناء أيوب تعريضاً بالدعاء فرع عليه قوله تعالى:{ فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر} .والسين والتاء للمبالغة في الإجابة ،أي استجبنا دعوته العُرْضية بإثر كلامه وكشفنا ما به من ضرّ ،إشارة إلى سرعة كشف الضرّ عنه ،والتعقيب في كل شيء بحَسَبه ،وهو ما تقتضيه العادة في البُرء وحصوللِ الرزق وولادة الأولاد .
والكشف: مستعمل في الإزالة السريعة .شبهت إزالة الأمراض والأضرار المتمكنة التي يعتاد أنها لا تزول إلا بطول بإزالة الغطاء عن الشيء في السرعة .
والموصول في قوله تعالى:{ ما به من ضر} مقصود منه الإبهام .ثم تفسيره ب ( مِن ) البيانية لقصد تهويل ذلك الضرّ لكثرة أنواعه بحيث يطول عدّها .ومثله قوله تعالى:{ وما بكم من نعمة فمن الله}[ النحل: 53] إشارة إلى تكثيرها .ألا ترى إلى مقابلته ضدها بقوله تعالى:{ ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}[ النحل: 53] ،لإفادة أنهم يهرعون إلى الله في أقل ضرّ وينسون شكره على عظيم النعم ،أي كشفنا ما حلّ به من ضرّ في جسده وماله فأعيدت صحته وثروته .
والإيتاء: الإعطاء ،أي أعطيناه أهله ،وأهل الرجل أهل بيته وقرابته .وفهم من تعريف الأهل بالإضافة أن الإيتاء إرجاع ما سلب منه من أهل ،يعني بموت أولاده وبناته ،وهو على تقدير مضاف بيّن من السياق ،أي مثل أهله بأن رُزق أولاداً بعدد ما فَقَد ،وزاده مثلهم فيكون قد رزق أربعة عشر ابناً وست بنات من زوجه التي كانت بلغت سنّ العقم .
وانتصب{ رحمةً} على المفعول لأجله .ووصفت الرحمة بأنها من عند الله تنويهاً بشأنها بذكر العندية الدالة على القرب المراد به التفضيل .والمراد رحمة بأيوب إذ قال{ وأنت أرحم الراحمين} .
والذكرى: التذكير بما هو مظنة أن ينسى أو يغفل عنه .وهو معطوف{ على رحمة} فهو مفعول لأجله ،أي وتنبيهاً للعابدين بأن الله لا يترك عنايته بهم .
وبما في{ العابدين} من العموم صارت الجملة تذييلاً .