{ فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثله معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} .
"الفاء"للترتيب والتعقيب ، أي كان الكشف فور الضراعة له سبحانه وتعالى ، وذكر رحمته ، وكشف الضر:إزالته ، وخصوصا إذا كان الكشف إزالة هذا المرض الذي شوه جسمه ، ونفر الناس منه ، ولم يكن كشف إلا بإرادة ، ولا يتعذر شيء إزاء إرادة الله ، ولو كان جذاما لا يشفى في عادة الناس وطبهم ، ولقد قال تعالى في بيان كيف كشفه:{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب 41 اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب 42 ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب 43 وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب 44} ( ص ) إن أخبار أيوب عليه السلام تفيد أن كل الناس نفروا منه حتى أهله ، وذلك أشد على النفس من وقع الحسام المهند ، فكان ألم مرضه مع ألم فراق الأحبة ، ولذا قال سبحانه في منته على أيوب{ وآتيناه أهله} أي أعطيناه أهله الذين نفروا وكان عودتهم عطاء من الله غير مجذوذ ، وجاء معهم مثلهم من محبين وموادين ، أي أقبل عليه الناس بعد طول نفور ، وذلك{ رحمة منا} ، وأضافها سبحانه إلى ذاته العلية ، فيه رحمة تليق بذاته الكريمة وهو الرحمن الرحيم{ وذكرى للعابدين} أي تذكيرا دائما للعابدين ، بأن الله معهم دائما وإنه معهم لا يتركهم أبدا ، يثيبهم في البلاء ، ويرفع عنهم ، "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك خيرا ، وإن أصابته ضراء صبر فكان ذلك خيرا"{[1519]} ، كما روى الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذه تذكرة لا يدركها إلا العابدون الذين ذاقوا حلاوة العبادة ولو في أشد الضرر .