ثم صور- سبحانه- ما سيكون عليه الكافرون يوم القيامة من حسرة وندامة، تصويرا بليغا، مؤثرا فقال:وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات أن عقبة بن أبى معيط دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم لحضور طعام عنده، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم لا آكل من طعامك حتى تنطق بالشهادتين.
فنطق بهما. فبلغ ذلك صديقه أمية بن خلف أو أخاه أبى بن خلف، فقال له:يا عقبة بلغني أنك أسلمت. فقال له:لا. ولكن قلت ما قلت تطييبا لقلب محمد صلّى الله عليه وسلّم حتى يأكل من طعامي. فقال له:كلامك على حرام حتى تفعل كذا وكذا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ففعل الشقي ما أمره به صديقه الذي لا يقل شقاوة عنه.
أما عقبة فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتله في غزوة بدر وأما أبى بن خلف فقد طعنه النبي صلى الله عليه وسلّم في غزوة أحد طعنة لم يبق بعدها سوى زمن يسير ثم هلك.
وعلى أية حال فإن الآيات وإن كانت قد نزلت في هذين الشقيين. فإنها تشمل كل من كان على شاكلتهما في الكفر والعناد، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وعض اليدين كناية عن شدة الحسرة والندامة والغيظ، لأن النادم ندما شديدا، يعض يديه. وليس أحد أشد ندما يوم القيامة من الكافرين.
قال- تعالى-:وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ. وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...
والمعنى:واذكر- أيها العاقل- يوم القيامة وما فيه من حساب وجزاء، يوم يعض الظالم على يديه من شدة غيظه وندمه وحسرته.
ويقول في هذا اليوم يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا.
أى:يا ليتني سلكت معه طريق الحق الذي جاء به، واتبعته في كل ما جاء به من عند ربه.