/م27
التّفسير
أضلني صديق السوء
يوم القيامة له مشاهد عجيبة ،حيث ورد بعضٌ منها في الآيات السابقة ،وفي هذه الآيات اشارة إلى قسم آخر منها ،وهي مسألة حسرة الظالمين البالغة على ماضيهم ،يقول تعالى أوّلا: ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرّسول سبيلا ){[2849]} .
«يعضّ » من مادة «عضّ » ( على وزن سدّ ) بمعنى الأزم بالأسنان ،ويستخدم هذا التعبير عادة بالنسبة إلى الأشخاص المهووسين من شدّة الحسرة والأسف ،كما في المثل العربي ،لأن الإنسان في مثل هذه الحالات لا يعض الإصبع دائماً ،بل يعض ظاهر اليد أحياناً ،وكثيراً ما يقالكما في الآية مورد البحث«يديه » يعني كلتا اليدين حيث تبيّن شدّة الأسف والحسرة بنحو أبلغ .
و هذا العمل يصدر من هؤلاء الأشخاص حينما يطلعون على ماضيهم ،ويعتبرون أنفسهم مقصرين ،فيصممون على الانتقام من أنفسهم بهذا الشكل لتهدئة سورة الغضب في نفوسهم والشعور بالراحة .
وينبغي حقّاً ،أن يسمى ذلك اليوم ( يوم الحسرة ) كما ورد هذا الوصف بالذات في القرآن ليوم القيامة أيضاً ( سورة مريم الآية 39 ) ،ذلك لأن المجرمين يرون أنفسهم في أتعس حال بين يدي الحياة الخالدة ،في الوقت الذي كانوا يستطيعون خلال أيام من الصبر والاستقامة ومجاهدة النفس والإيثار أن يستبدلوا ذلك بحياة مشرفة وسعيدة ،وهو يوم أسف أيضاً حتى بالنسبة إلى المحسنين ،فهم يأسفون على أنّهم: لماذا لم يحسنوا أكثر .
/خ29