ثم حكى- سبحانه- أن بعض أهل الكتاب لا يكتفون بما هم فيه من ضلال، بل يحاولون أن يضلوا غيرهم فقال- تعالى- وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ.
وقوله- تعالى- وَدَّتْ من الود وهو محبة الشيء وتمنى حصوله ووقوعه.
أى تمنت وأحبت جماعة من أهل الكتاب إضلالكم وإهلاككم عن الحق- أيها المؤمنون- وذلك بأن ترجعوا عن دين الإسلام الذي هداكم الله إليه، إلى دين الكفر الذي يعتنقه أولئك الكافرون من أهل الكتاب.
ولم يقف بغى بعض أهل الكتاب وحسدهم عند هذا التمني، بل تجاوزوه إلى إلقاء الشبهات حول دين الإسلام، وإلى محاولة صرف بعض المسلمين عن دينهم.
قال القرطبي:نزلت هذه الآية- في معاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، حين دعاهم اليهود من بنى النضير وقريظة وبنى قينقاع إلى اليهودية.
والمراد بالطائفة رؤساء أهل الكتاب وأحبارهم ومن للتبعيض وهي مع مجرورها في محل رفع نعت لطائفة.
ولَوْ في قوله لَوْ يُضِلُّونَكُمْ مصدرية أى ودت طائفة من أهل الكتاب إضلالكم.
وقوله وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ جملة حالية.
أى:والحال أنهم ما يضلون أى ما يهلكون إلا أنفسهم بسبب غوايتهم واستيلاء الأهواء على قلوبهم، وإبثارهم العمى على الهدى ولكنهم لا يشعرون بذلك ولا يفطنون له، لأنهم قد زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا.