مناسبة النزول:
جاء في أسباب النزولللواحديأنَّ الآية نزلت في معاذ بن جبل وعمّار بن ياسر حين دعاهما اليهود إلى دينهم .
[ ودَّت طائفةٌ من أهل الكتاب] وذلك من خلال تمنياتهم التبشيرية بأفكارهم التضليلية وأساليبهم الملوّنة ،[ لو يُضِلُّونَكُم] وذلك من خلال ما يملكونه من وسائل التضليل الفكري بالشبهات المتنوعة ،التي تثير في عقولكم الريبة ،وتحرّك الشكّ في عملية استغلال للطهارة الذاتية المتمثّلة في أخلاقكم الطيبة التي قد تشعر بالثقة بالآخرين ،فتستسلم لها في حركة العلاقة الإنسانية ،فتقع تحت تأثير مكائدهم الشيطانية من دون شعور ،فإنَّ الطيبة قد تصنع للإنسان الغفلة عن تعقيدات الواقع الذاتي لهذا الشخص أو ذاك ،أو لهذا الاتجاه أو ذاك ،ولهذا لا بُدَّ للإنسان المؤمن من أن يكون الإنسان الواعي الذي يدرس الواقع في ساحته ،من خلال طبيعة الظروف الموضوعية المتصلة بالأشخاص والأحداث والأوضاع والأشياء ،حتّى يعرف كيف يحرّك مواقعه ومواقفه في علاقته بالنّاس وبالحياة في عالم الصراع بين الأفكار أو بين النّاس .
[ وما يُضِلُّونَ إلاَّ أنفسَهُم] لأنَّهم يستغرقون في تأكيد خطّتهم في إضلال الآخرين بالأوهام التي يختلقونها ،والأكاذيب التي يحرّكونها ،والأوضاع المنحرفة التي يصنعونها ...فتتحوّل بفعل الحالة الاستغراقية إلى قناعات ذاتية تجعلهم يستغرقون في الضلال في تأثيراته اللاشعورية ،[ وما يشعُرُونَ] تماماً كالكثيرين من النّاس الذين يعيشون الغفلة عن ذواتهم عندما يلتقون ببعض الأشياء التي تترك آثارها في نفوسهم بغير اختيار ،وذلك هو قوله تعالى: [ يا أهل الكتابِ لِمَ تكفرونَ بآيات اللّه] التي أنزلها على محمَّد في القرآن [ وأنتُم تشهدُونَ] من خلال ثقافتكم التوراتية أو الإنجيلية التي تؤكّد صدق النبيّ محمَّد ( ص ) في دعوته ،وذلك من خلال البشارة بنبوّته ،ومن خلال الحجج الكثيرة الدالة على ذلك التي استمعتم إليها من رسول اللّه .