[ إنَّ أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوه] .ثُمَّ يطرح اللّه سبحانه علاقة إبراهيم بالنّاس وعلاقة النّاس به ،فليست العلاقة بأصحاب الرسالة علاقة نسب تمنح الآخرين أولويّة به ،وتعطيهم امتيازاً على بقية النّاس في رابطة القرب به ،لأنَّ هؤلاء العظماء يفقدون خصوصياتهم باندماجهم بالقضايا العامّة ،فتتحوّل علاقتهم بالآخرين إلى علاقة رسالة وفكر وعمل ،ويتحوّل الانتماء إليهم إلى الانتماء لما يمثِّلونه من رسالة الفكر والعمل ،لأنَّها أصبحت كلّ حياتهم .وفي ضوء ذلك ،يقرّر اللّه لأهل الكتاب القول الفصل في خطّ هذه الحقيقة ،فليس أولى النّاس بإبراهيم ( ع ) هم الذين ينتمون إليه بالنسب ،بل هم الذين ينتمون إليه في العقيدة والعمل من الذين اتَّبعوه في حياته وبعد مماته ،[ وهذا النبيُّ] الذي يحمل رسالة الإسلام التي أوحى بها اللّه إليه سائرٌ على الخطّ نفسه الذي سار عليه إبراهيم ( ع ) ،وبعمق الروح التي انطلق معها ،إن لم تكن أعمق ،
[ والذين آمنوا] بهذا الرسول ،لأنَّ الإيمان به إيمان بالخطّ الرسالي الإسلامي الذي يمثِّله إبراهيم ( ع ) في رسالته وفي حياته ،ويلتقي الجميع في خطّ الولاية للّه ،[ واللّه وليُّ المؤمنين] بما يرعاهم برعايته ،ويهديهم بهدايته ،ويمنحهم لطفه ورحمته ورضوانه .
ويعلِّق الإمام عليّ ( ع )في ما روي عنهعلى هذه الآية بقوله: إنَّ وليّ محمَّد من أطاع اللّه وإن بعُدت لُحمته ،وإنَّ عدوّ محمَّد من عصى اللّه وإن قرُبت قرابته[ 4] .وبذلك يُعطي الإمام عليّ ( ع ) امتداداً في ما يستوحيه من الآية ،فإذا كان أولى النّاس بإبراهيم الذين اتَّبعوه وهذا النبيّ والذين آمنوا ،فإنَّ ذلك لا يقف أمام شخص إبراهيم ( ع ) ،بل يمتد مع كلِّ نبيّ أو رسول أو عامل في سبيل اللّه ،في ما تمثِّله القرابة في حياته في خطوط القُرب والبُعد ،من حيث علاقة ذلك بالسير على خطّ الرسالة والابتعاد عنه .ولهذا أمكن أن نستوحي الآية في كلِّ شخص تمتد حياته إلى أبعد من حدود ذاته ،كما أكّد رسول اللّه من خلال القرآن الكريم على بُعد أبي لهب عنه مع قربه من نسبه ،وأثار قرب سلمان الفارسي منه ،من خلال الحديث المأثور عنه: «وإنَّما صار سلمان من العلماء لأنَّه امرؤ منّا أهل البيت فلذلك نسبه إلينا » مع بُعده عن نسبه .وهذا هو الأساس الذي تتحرّك فيه العاطفة الإسلاميّة ،وتنطلق منه الروابط الإسلاميّة ،فيكون الإسلام هو الذي يربطك بالآخرين ،كأقوى ما تكون الرابطة ،بحيث تعلو عن سائر الروابط الأخرى من عائلية أو إقليمية أو قوميّة ،في كلّ ما تفرضه الرابطة القوية من نصرةٍ وتأييدٍ وحركةٍ وانتماء .وهذا هو المفهوم الإسلامي الذي نستوحيه من الآية في ضوء ملاحظة الإمام عليّ( ع ) .