{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون * يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون * وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} .
جاءت هذه الآيات بعد دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام الذي كان عليه إبراهيم والأنبياء لبيان حالهم في ذلك .
وقد قال المفسرون إن اليهود دعوا معاذا وحذيفة وعمارا إلى دينهم .
فأنزل الله:{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم} الآية ولا شك أنهم كانوا أشد الناس حرصا على إضلال المؤمنين سواء دعوا بعض الصحابة إلى دينهم أم لا .وليس الإضلال خاصا بالدعوة بل كانوا يلقون ضروبا من الشك في النفوس ليصدوها عن الإسلام .من أغربها ما في الآية الآتية ( 72 ) .وكان النزاع بين الفريقين مستمرا وهو ما لا بد منه في وقت الدعوة وقد قال تعالى في بيان حال هذه الطائفة المضللة .{ وما يضلون إلا أنفسهم} .
قال الأستاذ الإمام:معناه أنهم بتوجههم إلى الإضلال واشتغالهم به ينصرفون عن النظر في طرق الهداية وما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات على كونه نبيا هاديا .فهم يعبثون بعقولهم ويفسدون فطرتهم باختيارهم ولا وجه لمن قال:إن معنى إضلال أنفسهم هو كون عاقبته شرا عليهم ووبالا في الآخرة لأنهم يعذبون عليه فإن الكلام في المحاجة وبيان اعوجاج طريقة المضلين وأما العقاب في الآخرة على الإضلال فهو مبين في مواضع من الكتاب وليس هذا محله وهو لا يفيد هنا في الاحتجاج لأنه إنذار لغير مؤمن بالنذير .ولكل مقام مقال .
أقول:وقد أورد الرازي نحو ما قاله الأستاذ الإمام ووجها ثالثا هو أنهم لما اجتهدوا في إضلال المؤمنين ثم إن المؤمنين لم يلتفتوا إليهم صاروا خائنين خاسرين حيث اعتقدوا شيئا ولاح لهم أن الآمر بخلاف ما تصوروه .ولكن ينافي هذا قوله"وما يشعرون "وهم قد شعروا بخيبتهم في الإضلال ولكنهم لانهماكهم فيه لم يشعروا بأنه كان صارفا لهم عن معرفة الحق والهدى لأن المنهمك في الشيء لا يكاد يفطن لعواقبه وآثاره .