والاستفهام في قوله- سبحانه-:أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ... للتقرير.
والخطاب لكل من يصلح له ليعتبر ويتعظ، ويخلص العبادة لله- تعالى-.
وقوله يُولِجُ من الإيلاج بمعنى الإدخال. يقال:ولج فلان منزله، إذا دخله ...
ثم استعير لزيادة زمان النهار في الليل وعكسه، بحسب المطالع.
أى:لقد رأيت وشاهدت- أيها العاقل- أن الله- تعالى-، يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، ويزيد في أحدهما وينقص من الآخر، على حسب مشيئته وحكمته..
وأنه- سبحانه- سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.. أى:ذللهما وجعلهما لمنفعة الناس ومصلحتهم، كما جعلهما يسيران هما والليل والنهار، بنظام بديع لا يتخلف.
وقوله:كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى كل من الشمس والقمر يجريان في مدارهما بنظام ثابت محكم، إلى الوقت الذي حدده- سبحانه- لنهاية سيرهما، وهو يوم القيامة. قال ابن كثير:قوله:إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قيل:إلى غاية محدودة.
وقيل:إلى يوم القيامة، وكلا المعنيين صحيح. ويستشهد للقول الأول بحديث أبى ذر الذي في الصحيحين، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«يا أبا ذر، أتدرى أين تذهب هذه الشمس؟ قلت:الله ورسوله أعلم. قال:فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن ربها، فيوشك أن يقال لها:ارجعي من حيث جئت» .
وقال الجمل:قوله:إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قاله هنا بلفظ إِلى، وفي سورتي فاطر والزمر، بلفظ «لأجل» ، لأن ما هنا وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهى إليه الخلق، وهما قوله:ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ ... الآية. وقوله اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً..
الآية، فناسب هنا ذكر إلى الدالة على الانتهاء، وما في فاطر والزمر خال عن ذلك. إذ ما في فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهائه، وما في الزمر ذكر مع ابتدائه، فناسب ذكر اللام، والمعنى يجرى كل كما ذكر لبلوغ أجل مسمى.
وجملة وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ معطوفة على قوله:أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ.. أى:لقد علمت أن الله- تعالى- قد فعل ذلك، وأنه- سبحانه- خبير ومطلع على كل عمل تعملونه- أيها الناس- دون أن يخفى عليه شيء منها.