ثم حكى- سبحانه- ما قاله الضعفاء للزعماء فقال:قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ وللمفسرين في تأويل معنى اليمين هنا اتجاهات منها:
أن المراد باليمين هنا:الجهة التي هي جهة الخير واليمن:أى:قال الضعفاء للرؤساء:
إنكم كنتم في الدنيا توهموننا وتخدعوننا بالبقاء على ما نحن عليه من عبادة الأصنام والأوثان، لأن بقاءنا على ذلك فيه الخير واليمن والسلامة. فأين مصداق ما قلتموه لنا وقد نزل بنا ما نزل من أهوال وآلام؟
فالمقصود بالآية الكريمة بيان ما يقوله الأتباع للمتبوعين على سبيل الحسرة والندامة، لأنهم خدعوا بوسوستهم، وأصيبوا بالخيبة بسبب اتباعهم لهم.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله:اليمين لما كانت أشرف العضوين وأمتنهما، وكانوا يتيمنون بها، فبها يصافحون، ويماسحون، ويناولون ويتناولون، ويزاولون أكثر الأمور.
لما كانت كذلك استعيرت لجهة الخير وجانبه، فقيل:أتاه عن اليمين، أى من الخير وناحيته.. .
ومنهم من يرى أن المراد باليمين هنا:اليمين الشرعية التي هي القسم، وعن بمعنى الباء.
أى:قالوا لهم:إنكم كنتم في الدنيا تأتوننا بالأيمان المغلظة على أننا وأنتم على الحق فصدقناكم، فأين نحن وأنتم الآن من هذه الأيمان المغلظة؟ لقد ظهر كذبها وبطلانها، وأنتم اليوم مسئولون عما نحن فيه من كرب.
ومنهم من يرى أن المراد باليمين هنا:القوة والغلبة. أى:أنكم كنتم في الدنيا تجبروننا وتقسروننا على اتباعكم لأننا كنا ضعفاء وكنتم أقوياء.
والذي نراه أن الآية الكريمة تسع كل هذه الأقوال، لأن الرؤساء أوهموا الضعفاء بأنهم على الحق، وأقسموا لهم على ذلك، وهددوهم بالقتل أو الطرد إن هم اتبعوا ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم.
ومقصود الضعفاء من هذا القول، إلقاء المسئولية كاملة على الرؤساء، توهما منهم أن هذا الإلقاء سيخفف عنهم شيئا من العذاب.