ثم بعد هذا الوعيد الشديد للمنافقين فتح - سبحانه - باب التوبة ليدخل فيه كل من يريد أن يقلع عن ذنوبه من المنافقين وغيرهم، حتى ينجو من عقابه - سبحانه - فقال:{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}.
أى:هذا الجزاء الذى بيناه هو جزاء المنافقين. لكن الذين تابوا منهم عن النفاق، وأصلحوا ما أفسدوا من أقوالهم وأفعالهم{ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ} أى تمسكوا بكتابه، وتركوا موالاة الكافرين{ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} بحيث لا يريدون بطاعتهم سوى رضاه ومثوبته،{ فَأُوْلَـٰئِكَ} الذين فعلوا ذلك{ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} الصادقين الذين لم يصدر منهم نفاق. أى:معهم فى فضيلة الإِيمان الصادق، وما يترتب على ذلك من أجر جزيل. وثواب عظيم.{ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.
فقوله:{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ} استثناء من المنافقين فى قوله{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ}.
قال الفخر الرازى ما ملخصه:اشترط - سبحانه - فى إزالة العقاب عن المنافقين أموراً أربعة:
أولها:التوبة.
وثانيها:إصلاح العمل. فالتوبة عبارة عن ترك القبيح، وإصلاح العمل عبارة عن الإِقدام على الحسن.
وثالثها:الاعتصام بالله. وهو أن يكون غرضه من التوبة وإصلاح العمل طلب مرضاة الله.
ورابعها:الإِخلاص:بأن يكون طلب مرضاة الله خالصا وأن لا يمتزج به غرض آخر.
والإِشارة فى قوله{ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} تعود إلى الاسم الموصول وهو{ ٱلَّذِينَ} باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة.
والمقصود بالمعية فى قوله{ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} التشريف والتكريم بصحبة الأخيار والتعبير "بسوف "لتأكيد وقوع الأمر المبشر به فى المستقبل، وليس لمجرد التسويف الزمانى.
أى:وسوف يؤت الله المؤمنين ما وعدهم به إيتاء لا شك فى حصوله ووقوعه. ونكر - سبحانه - الآجر ووصفه بالعظم، للتنويه بشأنه. ولإِفادة أنه أجر لا يكتنه كنهه.