وبعد أن بين- سبحانه- مصير الذين يستكبرون عن عبادته، أتبع ذلك ببيان ألوان من النعم التي أنعم بها على عباده، كنعمة السماء والأرض، ونعمة خلق الإنسان ورزقه من الطيبات، ونعمة الليل والنهار.. فقال- تعالى-:
فقوله- تعالى-:اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً بيان لنعمتي الليل والنهار اللتين أنعم بهما- سبحانه- على الناس.
أى:الله- تعالى- هو وحده الذي جعل لكم- أيها الناس- الليل لتسكنوا فيه، وتستريحوا من عناء العمل بالنهار وهيأه لهذه الاستراحة بأن جعله مظلما ساكنا ...
وجعل لكم بقدرته وفضله النهار مبصرا، أى:جعله مضيئا مسفرا، بحيث تبصرون فيه ما تريدون إبصاره من الأشياء المتنوعة.
قال صاحب الكشاف:قوله:مُبْصِراً هو من الإسناد المجازى لأن الإبصار في الحقيقة لأهل النهار.
فإن قلت:لم قرن الليل بالمفعول له، والنهار بالحال؟ وهلا كانا حالين أو مفعولا لهما.
فيراعى حق المقابلة؟
قلت:هما متقابلان من حيث المعنى، لأن كل واحد منهما يؤدى مؤدى الآخر، ولأنه لو قال:لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الإسناد المجازى، ولو قيل:ساكنا- والليل يجوز أن يوصف بالسكون على الحقيقة، الا ترى إلى قولهم:ليل ساج وساكن لا ريح فيه- لم تتميز الحقيقة من المجاز .
وقوله:إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ بيان لموقف أكثر الناس من نعم الله- تعالى- عليهم.
أى:إن الله- تعالى- لصاحب فضل عظيم على الناس جميعا، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على آلائه ونعمه، لغفلتهم وجهلهم واستيلاء الأهواء والشهوات عليهم.
وقال- سبحانه- لَذُو فَضْلٍ بالتنكير للإشعار بأنه فضل لا تحيط به عبارة أو وصف.