ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر قدرته فى خلق السماء ، فقال:( ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ . . ) .
ومعنى استوائه - سبحانه - إلى السماء ، ارتفاعه إليها بلا كيف أو تشبيه أو تحديد ، لأنه - سبحانه - منزه عن ذلك .
والدخان:ما ارتفع من لهب النار . والمراد به هنا:ما يرى من بخار الأرض أو بخار الماء ويصح أن يكون معنى:( ثُمَّ استوى إِلَى السمآء ):تعلقت إرادته - تعالى - بخلقها .
قال الآلوسى:قوله:( ثُمَّ استوى إِلَى السمآء ) أى:قصد إليها وتوجه ، دون إرادة تأثير فى غيرها ، من قولهم:استوى إلى مكان كذا ، إذا توجه إليه لا يلوى على غيره .
.
وقوله:( وَهِيَ دُخَانٌ ) أى أمر ظلمانى ، ولعله أريد بها مادتها التى منها تركبت .
وقوله - تعالى -:( فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً . . . ) بيان لما وجهه - سبحانه - إليهما من أوامر .
والمراد بإتيانهما:انقيادهما التام لأمره - تعالى - .
أى:فقال - سبحانه - للسماء وللأرض أخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد ، فأنت يا سماء ، أبرزى ما خلقت فيك من شمس وقمر ونجوم . . وأنت يا أرض أخرجى ما خلقت فيك من نبات وأشجار وكنوز .
قال الفخر الرازى:والمقصود من هذا القول:إظهار كمال القدرة ، أى:ائتيا شئتما أم أبيتما ، كما يقول الجبار لمن تحت يده:لتفعلن هذا شئت أم لم تشأ ، ولتفعلنه طوعا أو كرها ، وانتصابهما على الحال ، بمعنى طائعين أو مكرهين . .
وقوله:( قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ) بيان لامتثالهما التام لأمره - تعالى - .
أى:قالتا:فلنا ما أمرتنا به منقادين خاضعين متسجيبين لأمرك ، فأنت خالقنا وأنت مالك أمرنا .
قال القرطبى:وقوله:( قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ) فيه وجهان:أنه تمثيل لظهور الطاعة منهما ، حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما . ومنه قول الراجز:
امتلأ الحوض وقال قطنى ... مهلا رويدا ملأت بطنى
يعنى:ظهر ذلك فيه .
وقال أكثر أهل العلم:بل خلق الله - تعالى - فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد - سبحانه - .
وجمعهما - سبحانه - جمع من يعقل ، لخطابهما بما يخاطب به العقلاء .