{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ} في ما توحي به كلمة الاستواء من السيطرة ،أو بما تعنيه من قصدٍ وتوجهٍ إليها قام به تعالى بإرادته لا بالانتقال المكاني الذي يستحيل نسبته إليه لأن ذلك مستلزمٌ للتجسيد المنزّه عنه ،أما كلمة الدخان فقد يكون المراد بها شيئاً يشبهه ،لأنهفي معناه الحقيقيملازم للنار التي لم يرد لها ذكر هنا ..
وقد يلاحظ القارىء أن الظاهر من الآية هو تأخر خلق السماوات عن خلق الأرض ،لاستخدامه تعالى تعبير «ثم » التي تدل على التراخي ،وذلك منافٍ لقوله تعالى في سورة النازعات:{السَّمَآءُ بَنَاهَا*رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا*وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا* وَالأرضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءهَا وَمَرْعَاهَا*وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [ النازعات:27 32] ويمكن توجيه ذلك بأن الآية في سورة النازعات أظهر في التأخر من كلمة «ثم » في التراخي الزماني ،فيمكن أن يكون الترتيب وارداً بحسب الوضع البياني ،لا الزماني .{فَقَالَ لَهَا وَللأرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} في تعبير كنائيٍّ عن قدرة الله في تدبير أمورهما وحركتهما التكوينية ،ما يوحي بأن الأمر بيده ،فليس لهما من الأمر شيءٌ ،ولذلك فإن مسألة رضاهما وعدم رضاهما لا تقدم ولا تُؤخر في الموضوع شيئاً ،لأن إرادة الله فوق كل إرادةٍ من أيّ مخلوق ،لأنه لا يملك إلا ما ملّكه الله من أمره .
وقد تكرر في القرآن الكريم التعبير عن الأمر التكويني بالقول الذي قد لا يصدق على بعض المواقع التي لا يملك فيها الشيء وعياً يختزن الفكرة التي يحملها اللفظ ،لعدم امتلاكه الحس والإِدراك ،أو على فعل الله الذي يمثل واقع الحادث ،كما في كل مواقع إرادته ،في أمثال قوله تعالى:{إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [ يس:82] ،وهذا ما نستوحيه من قول الله للسماوات والأرض لتأتيا إليه كي تخضعا لإرادته وتدبيره ،ولتتحركا بأمره كما قدّر لهما في مواقع إرادته وعلمه ،وكما في قوله تعالى ،في التعبير عن انفعالهما التكوينيّ بذلك{قَالَتَآ أَتَيْنَا طَائِعِينَ} في ما قضيت من الخلق والتدبير ،وقد ذكر في الميزان ،«إن تشريك الأرض مع السماء في خطاب{ائْتِيَا} الخ ،مع ذكر خلقها وتدبير أمرها قبلاً ،لا يخلو من إشعارٍ بأن بينهما نوع ارتباطٍ في الوجود واتصالٍ في النظام الجاري فيهما ،وهو كذلك ،فإن الفعل والانفعال والتأثير والتأثر دائرٌ بين أجزاء العالم المشهود »