{وَجَعلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا} وهي الجبال الشامخة في علوّها ،الثابتة على الأرض ،التي تثبتها فتمنعها من الاهتزاز والسقوط{وَبَارَكَ فِيهَا} فجعل فيها الكثير من المنافع والخيرات التي تحقق لكل الموجودات الحيّة والنامية شروط حياتها ،{وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} وذلك بما أودعه فيها من عناصر الغذاء التي يحتاج إليها من يعيش فيها من إنسان وحيوان ونبات ونحوه بحيث يفي استغلال تلك العناصر بحاجة كل هذه المخلوقات ،فلا ينقصها ما تحتاجه منه ،إلا إذا ما أهملت استخراجه ،أو استغلته في غير موضعه ،أو احتكره بعضٌ دون غيرهم .
وهذا هو الظاهر من كلمة{سَوَاءً لِّلسَّآئِلِينَ} أي من دون زيادةٍ أو نقصان في أقوات هذه الموجودات المحتاجة التي تتوجه بالسؤال إلى الله بلسان حاجتها تلك .وإذا كانت كلمة السائلين مختصةً بذوي العقول من المخلوقات ،فمن الممكن أن تكون شاملةً لغيرهم بلحاظ التغليب ،أو بلحاظ استفادة ذلك من خلال طبيعة الحاجة المشتركة بينهم وبين غيرهم ،والله العالم .
ما معنى تقدير الأيام الأربعة ؟
وقد اختلف المفسِّرون في توجيه معنى تقدير الأربعة أيام ،فهل هي ظرفٌ لتقدير الأقوات بذاتها ،أم هي ظرفٌ لمجموع خلق الأرض وتقدير الأقوات ،بحيث يكون المراد تتمة الأربعة أيام ويكون المعنى: «قدّر الأقوات في تتمة أربعة أيام من حين بدء الخلق ،فيومان لخلق الأرض ويومانوهما تتمّة أربعة أياملتقدير الأقوات »[ 2] .
أمّا الحاجة إلى هذا التوجيه ،فلأنّ العمل على ظاهرها من كون الأربعة أيام ظرفاً لتقدير الأقوات ،يقتضي أن يكون خلق الأرض وما فيها في ستة أيام ،فإذا ضممنا إلى ذلك أنَّ خلق السماوات في يومين ،كما يأتي في الآية التالية ،كان المجموع في خلق السماوات والأرض ثمانية أيام .
وقد ذكر صاحب الميزان احتمالاً آخر قال: «والإنصاف أن الآية ،أعني قوله:{وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّآئِلِينَ}َ ظاهرة في غير ما ذكروه ،والقرائن الحافّة بها تؤيّد كون المراد بها تقدير أقواتها في الفصول الأربعة التي يكوّنها ميل الشمس الشمالي والجنوبي بحسب ظاهر الحس ،فالأيّام هي الفصول الأربعة .
والذي ذكر في هذه الآيات من أيام خلق السموات والأرض أربعة أيام: يومان لخلق الأرض ويومان لتسوية السماوات سبعاً بعد كونها دخاناً ،وأمّا أيّام الأقوات فقد ذكرت أيّاماً لتقديرها لا لخلقها ،وما تكرر في كلامه تعالى هو خلق السماوات والأرض في ستة أيام لا مجموع خلقها وتقدير أمرها ،فالحق أن الظرف قيدٌ للجملة الأخيرة فقط ،ولا حذف ولا تقدير في الآية ،والمراد بيان تقدير أقوات الأرض وأرزاقها في الفصول الأربعة من السنة »[ 3] .
وهذا تفسير طريفٌ قريب للاعتبار ،ولكنه غير ظاهر من سياق الآية التي توحي بأن كلمة اليوم ذات معنى واحدٍ في الجميع ،مع ملاحظة أن هذا لا يحل مشكلة الجمع بين خلق السماوات والأرض في أربعة أيام ،كما هو مقتضى هذا التفسير وبين خلقهما في ستة أيام ،كما جاء في الآيات الأخرى .والله العالم .