والمراد بالمقسمات في قوله- سبحانه- فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً الملائكة، فإنهم يقسمون أرزاق العباد وأمورهم وشئونهم ... على حسب ما يكلفهم الله- تعالى- به من شئون مختلفة.
وأَمْراً مفعول به، للوصف الذي هو المقسمات، وهو مفرد أريد به الجمع، أى:
المقسمات لأمور العباد بأمر الله- تعالى- وإرادته.
وهذا التفسير لتلك الألفاظ، قد ورد عن بعض الصحابة، فعن أبى الطفيل أنه سمع عليا- رضى الله عنه- يقول- وهو على منبر الكوفة-:لا تسألونى عن آية في كتاب الله، ولا عن سنة رسول الله، إلا أنبأتكم بذلك، فقام إليه ابن الكواء فقال:يا أمير المؤمنين. ما معنى قوله- تعالى-:وَالذَّارِياتِ ذَرْواً قال:الريح. فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال:السحاب. فَالْجارِياتِ يُسْراً قال:السفن، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً قال:
الملائكة.
وروى مثل هذا التفسير عن عمر بن الخطاب، وعن ابن عباس..
ومن العلماء من يرى أن هذه الألفاظ جميعها صفات للرياح.
قال الإمام الرازي. هذه صفات أربع للرياح، فالذاريات:هي الرياح التي تنشئ السحاب أولا. والحاملات:هي الرياح التي تحمل السحب التي هي بخار الماء ... والجاريات:
هي الرياح التي تجرى بالسحب بعد حملها. والمقسمات:هي الرياح التي تفرق الأمطار على الأقطار.
ومع وجاهة رأى الإمام الرازي في هذه المسألة، إلا أننا نؤثر عليه الرأى السابق، لأنه ثابت عن بعض الصحابة، ولأن كون هذه الألفاظ الأربعة لها معان مختلفة، أدل على قدرة الله- تعالى- وعلى فضله على عباده.
وقد تركنا أقوالا ظاهرة الضعف والسقوط. كقول بعضهم:الذاريات هن النساء، فإنهن يذرين الأولاد، بمعنى أنهن يأتين بالأولاد بعضهم في إثر بعض، كما تنقل الرياح الشيء من مكان إلى مكان.
قال الآلوسى:ثم إذا حملت هذه الصفات على أمور مختلفة متغايرة بالذات- كما هو الرأى المعول عليه- فالفاء للترتيب في الأقسام ذكرا ورتبة، باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على كمال قدرته- عز وجل- وهذا التفاوت إما على الترقي أو التنزل، لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه وأدنى من آخر.
وإن حملت على واحد وهو الرياح، فهي لترتيب الأفعال والصفات، إذ الريح تذرو الأبخرة إلى الجو أولا، حتى تنعقد سحابا، فتحمله ثانيا، وتجرى به ثالثا ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله- تعالى- ثم تقسم أمطاره .