{فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً} والمرويّ ،أن المراد بها الملائكة التي تحمل أوامر الله في أرزاق العباد وأوضاعهم وأعمارهم ،مما جعله الله من مهمّاتهم في دائرة أدوارهم الواقعية العملية .
ولعلّ القسم بما مرّ ،يوحي بالتدبير الإلهي الذي يطّلع عليه الإنسان بإحساسه الخارجي أو الداخلي ،من أجل أن يتعمّق وعيه بأنه لا يعيش في كونٍ ضائعٍ في حركته وفي أوضاعه ،بل يعيش في كونٍ منفتحٍ على الله في رعايته وعنايته ،خاضعٍ لتدبيره في ما خلقه الله من الوسائل التي تحرك النظام الكوني والإنساني بحكمته ،وقد جاء في تفسير الميزان أن: «الآيات الأربعكما ترىتشير إلى عامّة التدبير ،حيث ذكرت أنموذجاً ممّا يدبّر به الأمر في البرّ وهو الذاريات ذرواً ،وأنموذجاً مما يدبّر به الأمر في البحر وهو الجاريات يُسراً ،وأنموذجاً مما يدبّر به الأمر في الجوّ وهو الحاملات وقراً ،وتمّم الجميع بالملائكة الذين هم وسائط التدبير وهم المقسّمات أمراً »[ 1] .
وهو التفاتٌ لا يخلو من طرافة .
وقد جاء في البحار أن ابن أبي الكوّاء سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ): «ما{وَالذارِيَاتِ ذَرْواً} ؟فقال: الرياح ،فقال: وما{فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} ؟قال: السحاب ،قال:{فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} ؟قال: الفُلك ،قال:{فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً} ؟قال: الملائكة »[ 2] ،وقد ورد الحديث عن ذلك في تفسير ابن كثير[ 3] .
وعن الفخر الرازي في التفسير الكبير ،أن الأقرب حمل الآيات الأربع جميعاً على الريح ،فإنها كما تذرو التراب ذرواً ،تحمل السحاب الثقال ،وتجري في الجو بيسر ،وتقسم السحب على الأقطار من الأرض[ 4] .ولكن لا شاهد له ،بالإضافة إلى أنه قد لا ينسجم ،بحسب التعبير البلاغي ،مع بعض الكلمات ؛والله العالم .