ثم بين- سبحانه- حال المستعد لهداية الإسلام، وحال المستعد للضلال فقال:
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ.
أى:فمن يرد الله أن يهديه للإسلام، ويوفقه له، يوسع صدره لقبوله، ويسهله له بفضله وإحسانه.
وشرح الصدر:توسعته، يقال:شرح الله صدره فانشرح، أى:وسعه فاتسع، وهو مجاز أو كناية عن جعل النفس مهيأة لحلول الحق فيها. مصفاة عما يمنعه وينافيه.
روى عبد الرازق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية:كيف يشرح صدره؟ فقال:«نور يقذف فينشرح له وينفسح، قالوا:فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال:الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت» «2» .
وقوله:وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً أى ومن يرد أن يضله لسوء اختياره، وإيثاره الضلالة على الهداية يصير صدره ضيقا متزايد الضيق لا منفذ فيه للإسلام.
والحرج:مصدر حرج صدره حرجا فهو حرج، أى:ضاق ضيقا شديدا. وصف به الضيق للمبالغة، كأنه نفس الضيق، وأصل الحرج مجتمع الشيء ويقال:للحديقة الملتفة الأشجار التي يصعب دخولها حرجة.
وقرئ حرجا- بكسر الراء- صفة لقوله ضَيِّقاً.
روى أن جماعة من الصحابة قرءوا أمام عمر- رضى الله عنه- «ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا» بكسر الراء فقال عمر:يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية. فقال عمر:كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير»
وقوله كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ استئناف، أو حال من ضمير الوصف، أو وصف آخر لقلب الضال، والمراد المبالغة في ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا يقدر عليه. فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة.
أى:كأنما إذا دعى إلى الإسلام قد كلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيعه بحال. ويصعد أى:يتصعد، بمعنى يتكلف الصعود فلا يقدر عليه.
وفيه إشارة إلى أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود.
وقوله:كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أى:مثل جعل الصدر ضيقا حرجا بالإسلام، يجعل الله الرجس. أى:العذاب، أو الخذلان، أو اللعنة في الدنيا على الذين لا يؤمنون بالإسلام.