يقول تعالى:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) أي:ييسره له وينشطه ويسهله لذلك ، فهذه علامة على الخير ، كقوله تعالى:( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ) [ الزمر:22] ، وقال تعالى:( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ) [ الحجرات:7] .
قال ابن عباس:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) يقول:يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به وكذا قال أبو مالك ، وغير واحد . وهو ظاهر .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا الثوري ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي جعفر قال:سئل النبي صلى الله عليه وسلم:أي المؤمنين أكيس؟ قال:"أكثرهم ذكرا للموت ، وأكثرهم لما بعده استعدادا "قال:وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) وقالوا:كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال:"نور يقذف فيه ، فينشرح له وينفسح "قالوا:فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال:"الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت
وقال ابن جرير:حدثنا هناد ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان - يعني الثوري - عن عمرو بن مرة ، عن رجل يكنى أبا جعفر كان يسكن المدائن ، قال:سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) فذكر نحو ما تقدم .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات القزاز ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي جعفر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح قالوا:يا رسول الله ، هل لذلك من أمارة؟ قال:"نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت "
وقد رواه ابن جرير عن سوار بن عبد الله العنبري ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن مرة ، عن أبي جعفر فذكره .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن المسور قال:تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) قالوا:يا رسول الله ، ما هذا الشرح؟ قال:"نور يقذف به في القلب "قالوا:يا رسول الله ، فهل لذلك من أمارة ؟ قال "نعم "قالوا:وما هي؟ قال:"الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت
وقال ابن جرير أيضا:حدثني هلال بن العلاء ، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح "قالوا:فهل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال:"الإنابة إلى دار الخلود ، والتنحي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقي الموت "
وقد رواه ابن جرير من وجه آخر ، عن ابن مسعود متصلا مرفوعا فقال:حدثني ابن سنان القزاز ، حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) قالوا:يا رسول الله ، وكيف يشرح صدره؟ قال:"يدخل الجنة فينفسح "قالوا:وهل لذلك علامة يا رسول الله؟ قال:"التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت
فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة ، يشد بعضها بعضا ، والله أعلم .
وقوله تعالى:( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) قرئ بفتح الضاد وتسكين الياء ، والأكثرون:( ضيقا ) بتشديد الياء وكسرها ، وهما لغتان:كهين وهين . وقرأ بعضهم:"حرجا "بفتح الحاء وكسر الراء ، قيل:بمعنى آثم . وقال السدي . وقيل:بمعنى القراءة الأخرى ) حرجا ) بفتح الحاء والراء ، وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ، ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه .
وقد سأل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، رجلا من الأعراب من أهل البادية من مدلج:ما الحرجة؟ قال هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ، ولا وحشية ، ولا شيء . فقال عمر ، رضي الله عنه:كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير .
وقال العوفي عن ابن عباس:يجعل الله عليه الإسلام ضيقا ، والإسلام واسع . وذلك حين يقول:( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج:78] ، يقول:ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق .
وقال مجاهد والسدي:( ضيقا حرجا ) شاكا . وقال عطاء الخراساني:( ضيقا حرجا ) ليس للخير فيه منفذ . وقال ابن المبارك ، عن ابن جريج ( ضيقا حرجا ) بلا إله إلا الله ، حتى لا تستطيع أن تدخله ، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه .
وقال سعيد بن جبير:يجعل صدره ( ضيقا حرجا ) قال:لا يجد فيه مسلكا إلا صعدا .
وقال السدي:( كأنما يصعد في السماء ) من ضيق صدره .
وقال عطاء الخراساني:( كأنما يصعد في السماء ) يقول:مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء . وقال الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس:( كأنما يصعد في السماء ) يقول:فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه ، حتى يدخله الله في قلبه .
وقال الأوزاعي:( كأنما يصعد في السماء ) كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا أن يكون مسلما .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير:وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصول الإيمان إليه . يقول:فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه; لأنه ليس في وسعه وطاقته .
وقال في قوله:( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) يقول:كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا ، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصده عن سبيل الله .
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس:الرجس:الشيطان . وقال مجاهد:الرجس:كل ما لا خير فيه . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:الرجس:العذاب .