الكتاب في الأصل مصدر كالكتابة، ويستعمل غالبا بمعنى المكتوب، فيطلق على الصحيفة المكتوبة وعلى مجموعة الصحف.
والقرطاس- بكسر القاف وقد تفتح وتضم في بعض اللغات- ما يكتب فيه سواء كان من رق أو من ورق أو من غيرهما:ولا يطلق على ما يكتب فيه قرطاس إلا إذا كان مكتوبا.
والمعنى:إن هؤلاء الجاحدين لا ينقصهم الدليل على صدقك يا محمد. ولكن الذي ينقصهم هو التفتح للحق، والانقياد للهداية، فإننا لو نزلنا عليك كتابا من السماء في قرطاس- كما اقترحوا- فشاهدوه بأعينهم وهو نازل عليك ولمسوه بأيديهم منذ وصوله إلى الأرض وباشروه بعد ذلك بجميع حواسهم بحيث يرتفع عنهم كل ارتياب، ويزول كل إشكال. لو أننا فعلنا ذلك. استجابة لمقترحاتهم المتعنتة، لقالوا بلغة العناد والجحود ما هذا الذي أبصرناه ولمسناه إلا سحر مبين.
فالآية الكريمة تصور مكابرتهم المتبجحة، وعنادهم الصفيق، وإدبارهم عن الحق مهما تكن قوة أدلته، ونصاعة حجته.
قال الإمام الرازي «بين الله- تعالى- في هذه الآية أن هؤلاء الكفار لو أنهم شاهدوا نزول كتاب من السماء دفعة واحدة عليك يا محمد لم يؤمنوا به بل حملوه على أنه سحر. والمراد من قوله فِي قِرْطاسٍ أنه لو نزل الكتاب جملة واحدة في صحيفة واحدة فرأوه ولمسوه وشاهدوه عيانا لطعنوا فيه وقالوا إنه سحر» » .
ولَوْ في الآية الكريمة حرف امتناع، أى:أنه- سبحانه- قد امتنع عن إجابة مقترحاتهم لأنه يعلم أن إجابتها لا ثمرة لها، ولا فائدة من ورائها، لأن هؤلاء الجاحدين لا ينقصهم الدليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وإنما الذي ينقصهم هو الاستجابة للحق والاتجاه السليم لطلبه، والاستماع إليه بعناية وتفكير.
وعبر- سبحانه- بقوله:فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ. مع أن اللمس هو باليد غالبا- للتأكيد وزيادة التعيين، ودفع احتمال المجاز. فالجملة الكريمة المقصود بها تصوير فرط جحودهم ومكابرتهم، وإعراضهم عن الحق مهما تكن قوة الدليل وحسيته.
وفي قوله- تعالى- لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إشارة إلى أن الكافرين وحدهم هم الذين بسبب كفرهم- ينتحلون الأعذار لضلالهم، ويصفون الحق الواضح بأنه سحر مبين. أما المؤمنون فإنهم يقابلون الحق بالتصديق والإذعان.
وقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا:إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، فأكدوا حكمهم الباطل بطريق النفي والإثبات- أى:أنه مقصور على أنه سحر- وبالإشارة إليه، وبأنه بين واضح في كونه سحرا، وذلك يدل على أن تبجحهم قد بلغ النهاية، وأن مكابرتهم قد كذبت ما شهدت بصدقه حواسهم، وإن قوما بهذه الدرجة من العناد لا تجدى فيهم معجزة، ولا ينفع معهم دليل.
وفي معنى هذه الآية قد وردت آيات أخرى في القرآن الكريم منها قوله- تعالى- وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ.
ومنها قوله- تعالى- وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ .