قوله تعالى:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون}
قال الحاكم: أخبرنا الحسن بن حليم المروزي ،أنبأ أبو الموجه ،أنبأ عبدان ،أنبأ عبد الله ،أنبأ عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني ،عن أبيه ،عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ".
صحيح الإسناد ولم يخرجاه ( المستدرك2/356-ك التفسير ) وأقره الذهبي ،وأخرجه أبو داود( ح4902-ك الأدب ،ب النهي عن البغي ) والترمذي( ح2511-ك صفة القيامة ،ب57 ) ،وابن ماجة ( ح4211-ك الزهد ،ب البغي ) ،وابن حبان ( الإحسان ح455و456 ) ،والحاكم في ( المستدرك2/356 ) ،( ن6/162 ل636 ) من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن به ،وقال الترمذي: حديث حسن صحيح .وقال الحاكم: صحيح الإسناد ،ووافقه الذهبي .قال الألباني: وهو كما قالا يعني: -الترمذي والحاكم- ،فإن رجال إسناده ثقات كلهم .وصحح إسناده أيضا محقق الإحسان .
انظر حديث الحاكم تحت الآية رقم ( 23 ) من سورة يونس .
قال أحمد: حدثنا أبو النضر ،قال: حدثنا عبد الحميد ،حدثنا شهر ،حدثنا عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالس ،إذ مر به عثمان بن مظعون ،فكشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا تجلس "؟قال بلى .قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبله ،فبينما هو يحدثه ،إذ شخص رسول الله ببصره إلى السماء ،فنظر ساعة إلى السماء ،فأخذ يضع بصره ،حتى وضعه على يمينه في الأرض ،فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره ،وأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له ،وابن مظعون ينظر ،فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له ،شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة ،فأتبعه بصره حتى توارى في السماء ،فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال: يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك ؟ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة ،قال:"وما رأيتني فعلت ؟"قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ،ثم وضعته حيث وضعته على يمينك ،فتحرفت إليه وتركتني ،فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئا يقال لك .قال:"وفطنت لذاك ؟"قال عثمان: نعم .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس "،قال: رسول الله ؟قال:"نعم ".قال: فما قال لك ؟قال:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} ،قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا .
( المسند ح2922 )وقال محققه: إسناده صحيح .وقال ابن كثير: إسناد جيد متصل حسن قد بُين فيه السماع المتصل ( التفسير4/516 ) ،وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ،وشهر وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لا يضر ،وبقية رجاله ثقات( مجمع الزوائد7/48 ) ،وأخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد ابن بهرام به ،وحسنه ( السنن ح3215 ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ،قوله:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان} ،قال: شهادة أن لا إله إلا الله ،وقوله:{والإحسان} فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى ،في الشدة والرخاء ،والمكره والمنشط ،وذلك هو أداء فرائضه .وقوله:{وإيتاء ذي القربى} ،يقول: الأرحام .{وينهى عن الفحشاء} ،يقول: الزنا .{والبغي} ،يقول: الكبر والظلم .{يعظكم} ،يقول: يوصيكم{لعلكم تذكرون} .
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل ،وهو القسط والموازنة ،ويندب إلى الإحسان كقوله تعالى:{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} ،وقوله:{وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} ،وقال:{والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له} ...وقوله:{وإيتاء ذي القربى} ،أي: يأمر بصلة الأرحام ،كما قال:{وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا} ،وقوله:{ينهى عن الفحشاء والمنكر} ،فالفواحش المحرمات ،والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها ،ولهذا قال في الموضع الآخر:{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ،قوله:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} الآية ،إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه ،إلا أمر الله به ،وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه .وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها .