قوله تعالى{فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن معمر عن قتادة في قوله تعالى{لتفسدن في الأرض مرتين} قال: أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حين بعث طالوت ومعه داود ،فقتله داود ،ثم ردت الكرة لبني إسرائيل ،ثم جاء وعد الآخرة من المرتين{ليسوؤا وجوهكم} قال: ليقبحوا وجوهكم ،{وليتبروا ما علوا تتبيرا} قال: ليدمروا ما علوا تدميرا ،قال: هو بخت نصر ،قال: وبعث عليهم في المرة الآخرة ،ثم قال:{عسى ربكم أن يرحمكم وأن عدتم عدنا} ،فعادوا فبعث الله عليهم محمد ،فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
أخرج الطبري بسنده الجيد من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:{فجاسوا خلال الديار} قال: مشوا .
وقد اختلف المفسرون في الذين عنى الله عليهم بقوله{أولى بأس شديد} في ما كان من فعلهم في المرة الأولى في بني إسرائيل حين بعثوا عليهم في المرة الآخرة:
-القول الأول: إنه جالوت .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور ،عن معمر ،عن قتادة قال: أما المرة الأولى فسلط الله عليهم جالوت حتى بعث طالوت ومعه داود ،فقتله داود .
( وبنحوه أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة كما تقدم في الرواية السابقة عنه ) .
-القول الثاني: إنه سنحاريب .
قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا ابن عليه عن أبي المعلى قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: في قوله:{بعثنا عليهم عبادا لنا أولى بأس شديد} قال: بعث الله تبارك وتعالى عليهم في المرة الأولى سنحاريب من أهل أثور ونينوى فسألت سعيدا عنها ،فزعم أنها الموصل أ . ه ،وقوله فزعم أنها الموصل قول صحيح لأن نينوى جزء من الموصل تقع في شمالها .
( ورجاله ثقات وإسناده صحيح إلى سعيد بن جبير ،وأبو المعلى هو يحي بن ميمون الضبي العطار الكوفي معروف بالرواية عن سعيد بن جبير وبرواية إسماعيل ابن عليه عنه ،كما في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي المعلى ،ويعقوب بن إبراهيم هو ابن كثير العبدي الدورفي معروف بالرواية عن ابن علّه كما هو في تهذيب التهذيب في ترجمته ) .
-القول الثالث: إنه بختنصر المجوسي البابلي: ومن معه من أهل فارس .
قال الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان بن بلال ،عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ،ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا -أي كناسه- فسألهم ما هذا الدم ؟قالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ،قال: فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم .فسكن .
( وذكره ابن كثير في التفسير ثم قال: وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور أ . ه .وقد ثبت نحوه عن ابن عباس فقد أخرجه الطبري عن أبي السائب قال ثنا أبو معاوية ،عن الأعمش ،عن المنهال ،عن سعيد ابن جبير ،عن ابن عباس وأبو السائب: سلم بن جنادة ،وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق فالإسناد حسن ،وقد صحح ابن كثير رواية المنهال عن سعيد بن جبير في غير هذا الموضع .ولا مانع من الجمع بين الأقوال الثلاثة .( انظر البداية والنهاية1/78 ) .وهذه الرواية تقوي سابقتها لكن في بعضها غرابة وهو مقتل يحيى بن زكريا ،انظر( البحر المحيط6/11-10 ) .