قوله تعالى:{ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه}
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى{ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه} ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لا أحد أظلم: أي أكثر ظلما لنفسه ممن ذكر ،أي وعظ بآيات ربه ،وهي هذا القرآن العظيم{فأعرض عنها} أي تولى وصد عنها .وإنما قلنا: إن المراد بالآيات هذا القرآن العظيم لقرينة تذكير الضمير العائد إلى الآيات في قوله{أن يفقهوه} أي القرآن المعبر عنه بالآيات .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله{ونسي ما قدمت يداه} أي نسي ما سلف من الذنوب .
قوله تعالى{إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه جعل على قلوب الظالمين المعرضين عن آيات الله إذا ذكروا بها أكنة أي أغطية تغطي قلوبهم فتمنعها من إدراك ما ينفعهم بما ذكروا به .وواحد الأكنة كنان وهو الغطاء ،وأنه جعل في آذانهم وقرا ،أي ثقلا يمنعها من سماع ما ينفعهم من الآيات التي ذكروا بها وهذا المعنى أوضحه الله تعالى في آيات أخر كقوله{ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} وقوله{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} الآية ،وقوله تعالى{وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا} وقوله{أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} وقوله{ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .
قوله تعالى{وإن تدعوهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}
قال الشيخ الشنقيطي: بين في هذه الآية الكريمة أن الذين جعل الله على قلوبهم أكنة تمنعهم أن يفقهوا ما ينفعهم من آيات القرآن التي ذكروا بها لا يهتدون أبدا ،فلا ينفع فيهم دعاؤك إياهم إلى الهدى .وهذا المعنى الذي أشار له هنا من أن من أشقاهم الله لا ينفع فيهم التذكير جاء مبينا في مواضع أخر كقوله{إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية يروا العذاب الأليم} وقوله تعالى{كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم} وقوله تعالى{وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} وقوله تعالى{وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} وقوله تعالى{إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} .
قوله تعالى{وربك الغفور ذو الرحمة} .
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غفور ،أي كثير المغفرة ،وأنه يرحم عباده المؤمنين يوم القيامة ،ويرحم الخلائق في الدنيا .وبين في مواضع أخر أن هذه المغفرة شاملة لجميع الذنوب بمشيئته جل وعلا إلا الشرك كقوله{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
وقوله{إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة} .وبين في موضع آخر أن رحمته واسعة ،وأنه سيكتبها للمتقين ،وهو قوله{ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ...} الآية .