قوله تعالى{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا}
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا أبو أسامة عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم( الأعظم ) وكان يكتب كل شئ بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمات أخرجته الشياطين فكتبوا( بين* ) كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها . قال فأكفره جهال الناس وسبوه ، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبوه حتى انزل على محمد{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} .
*في الأصل بلفظ من التصويب من الدر المنثور1/95 . وأخرجه النسائي( التفسير رقم14 ) عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة به . ورجاله ثقات إلا المنهال وهو ابن عمرو صدوق ربما وهم وهذه الرواية ليست من أوهامه لأنها قد وردت من طريق آخر بلفظ مشابه كما سيأتي فالإسناد حسن . هذا وقد صحح الحافظ ابن حجر رواية العمش عن المنهال عن سعيد بن جبير( انظر فتح الباري10/224 ) .
وقال الواحدي:أخبرنا محمد بن عبد العزيز القنطري ، أخبرنا أبو الفضل الحدادي ، أخبرنا أبو يزيد الخالدي ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن عمران بن الحارث قال:بينما نحن عند ابن عباس إذ قال:إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، فيجئ احدهم بكلمة حق ، فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة ، فيشربها قلوب الناس . فاطلع على ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي ، فلما مات سليمان قال شيطان بالطريق فقال:ألا أدلكم على كنز سليمان الممنع الذي لا كنز له مثله ؟ قالوا:نعم ، قال:تحت الكرسي ، فأخرجوه فقالوا:هذا سحر . فتنا سخته المم ، فأنزل الله تعالى عذر سليما{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان} .
( أسباب النزولص29 ) ، وأخرجه الحاكم من طريق إسحاق بن إبراهيم به ، وصححه الذهبي( المستدرك2/265 ) .
وهاتان الروايتان من اخبار اهل الكتاب ولكنها لا تتعارض مع الكتاب والسنة بل لبعض فقراتها شواهد فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبرئ ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات .
واستراق الشياطين السمع ثابت كما في قوله تعالى{ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين}الحجر:16-18 .
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق الكهنة والسحرة والاستعانة بهم في أي حال من الأحوال ، فأخرج أبو داود( السنن رقم3904- الطب ،ب في الكاهن ) ، والترمذي ، ( السنن رقم 135- الطهارة ،ب في كراهية إتيان الحائض ) ، وابن ماجة ( السنن رقم639-الطهارة ،بالنهي عن إتيان الحائض ) ، وأحمد( المسند رقم 10170 ، 9279 ) ، والدارمي( السنن9532 ) . كلهم من طريق حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة: "من اتى حائضا او امرأة في دبرها او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم .واللفظ للترمذي . وقد تكلم في سماع أبي تميمة من أبي هريرة ولكن اخرجه الإمام احمد ( المسند رقم9532 ) من طريق خلاس عن أبي هريرة مرفوعا قال: "من أتى كاهنا او عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه وسلم ". وقد حسن السيوطي الرواية الأولى( فيض القدير شرح الجامع الصغير6/32 ) ، وصححها الألباني في ( صحيح سنن الترمذي1/44 وإرواء الغليل7/68-70 ) ، وصحح احمد شاكر الرواية الثانية في تحقيقه لمسند احمد .
قوله تعالى{يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا إنما فتنة فلا تكفر}
أخرج الطبري وابن ابي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{وما انزل على الملكين}قال:التفريق بين المرء وزوجه .
ويستنتج من هذا التفسير ان ما في قوله{وما انزل}موصولة وهو قول الجمهور فيما نقله الحافظ ابن حجر( انظر فتح الباري10/4 ) .
واخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية قال: قال الله{وما أنزل على الملكين} قال:لم ينزل عليهما السحر . يقول:علما الإيمان والكفر فالسحر من الكفر ، فهما ينهيان عنه أشد النهي .
واخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله{يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت}فالسحر سحران:سحر تعلمه الشياطين وسحر يعلمه هاروت وماروت .
واخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة:فكانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما ان لا تعلما أحدا حتى تقولا{إنما نحن فتنة فلا تكفر} .
التفسير ص24 . وإسناده صحيح .
قوله تعالى{فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}
أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعا: "إن إبليس يضع عرشه على الماء . ثم يبعث سراياه . فأدناه منه منزلة أعظمهم فتنة يجئ احدهم فيقول:فعلت كذا وكذا . فيقول:ما صنعت شيئا . قال:ثم يجئ احدهم فيقول:ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته . قال فيدنيه منه ويقول:نعم انت ".
( الصحيح رقم2813 –صفات المنافقين ) . وذكره ابن كثير في ( التفسير 1/252 ) .
واخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة{فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} وتفريقهما ان يؤخذ منهما عن صاحبه ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه .
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى رسول لله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه انه كان يفعل الشئ وما فعله . حتى إذا كان ذات يوم-او ذات ليلة-وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ثم قال:يا عائشة ، أشعرت ان الله أفتاني فيما استفيته فيه ؟ أتاني رجلان ، فقعد احدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه:ما وجع الرجل ؟ فقال:مطبوب . قال:من طبه ؟ قال:لبيد ابن الأعصم . قال:في أي شئ ؟ قال:في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر . قال:وأين هو ؟ قال:في بئر ذروان . فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه . فجاء فقال:يا عائشة ، كان ماءها نقاعة الحناء ، وكان رؤس نخلها رؤس الشياطين . قلت:يا رسول الله أفلا استخرجته ؟ قال:قد عافاني الله ، فكرهت ان أثير على الناس فيه شرا . فأمر بها فدفنت ".
تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام . وقال الليث وابن عيينة عن هشام:( في مشط ومشاطة ) ويقال:المشاطة ما يخرج من الشعر إذا مشط ، والمشاطة من مشاطة الكتان .
( الصحيح 10/221 رقم5763 –الطب ،ب السحر وقول الله تعالى{ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ...}الآية .
قوله تعالى{وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله}
قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا سعيد بن سليمان ثنا سلام بن مسكين قال:سمعت الحسن يقول:في قوله{وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله}أي: لا يضر هذا السحر إلا من دخل فيه .
ورجاله ثقات إلا الحسن بن الصباح صدوق ، فالإسناد حسن .
قوله تعالى{ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق}
أخرج الطبري بسنده الحسن عن سعيد عن قتادة{ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق}يقول:قد علم ذلك اهل الكتاب في عهد الله إليهم:أن الساحر لا خلاق له عند الله يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر{وماله في الآخرة من خلاق}ليس له في الآخرة جنة عند الله .
( التفسير ص43 ) ، وإسناده صحيح . وأخرجه الطبري بلفظ:حجة .
واخرج عن الحسن بن يحيى قال:أخبرنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر قال: قال الحسن{ماله في الآخرة من خلاق}قال:ليس له دين .
وإسناده حسن .