فبعثوه إليه فناداه{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} أي الكثير الصادق{أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} الآية إلى قوله:{يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} أي أرجع إلى الملك وأتباعه ورجال دولته{لعلهم يعلمون} أي يعلمون قدرك وعلمك وما أنت عليه من الصدق والفضل فيكون ذلك سببا في خروجك من السجن .
وينبغي التذكير هنا بأهمية الأحلام ؛فإن شطرا منها قابل للتأويل أو الإخبار عن أنباء المستقبل مما هو طي الغيب المستور .وما جاء في هذه السورة وغيرها لهو قاطع على أن كثيرا من الأحلام يفضي إلى حقائق واقعة مفسرة يجدها الناس ف سلوكهم وواقعهم الواعي ،فما تلبث الأحلام التي تراود الذهن والخيال النائمين أن تنبئ بغيب خفي ربما حصل ،أو تحقيق ،أو هو في طريقه إلى الظهور والتحقق بعد أمد قريب أو بعيد .
وهذه الحقيقة مشهودة ومحسوسة قد تفجرت من خلال أحلام كثيرة راودت أذهان كثير من النائمين وخيالاتهم .ومن جملة ذلك هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم يعقوب عليه السلام .ومن قبله جده ،جد النبيين خليل الرحمن الذي رأى في منامه أنه يذبح ولد إسماعيل .ومن بعد ذلك نبينا العظيم الخاتم صلى الله عليه وسلم ؛فلقد رأى كثيرا من الرؤى التي كانت ما تلبث أن تتحقق وتظهر مثل فلق الصبح لشدة وضوحها وبلوغ تبيانها الكاشف .وغيرهم كثير من الناس يرون في مناماتهم الأحداث والأخبار التي تنبئ وتنذر بالوقوع حتى ما تلبث أن تقع فعلا .وهذه حقيقة لا يملك حد أن يجحدها أو يستخف بها .وما يجترئ على الاستخفاف بتفسير الأحلام على هذا الأساس إلا متحذلق جهول قد ركب متن الشطط والإيغال في المادية الجاحدة العمياء كأمثال فريق من أدعياء المعرفة في علم النفس .أولئك الذين يزعمون أن الأحلام ضرب من التنفيس عن رغبات مضغوطة مكبوتة لم تجد متنفسها في عالم الواقع ( الشعور ) فراحت تتنفس الصعداء في عالم الأحلام ( اللاشعوري ) .ولئن كان هذا التعليل يصيب كثيرا من الحالمين ،إلا أنه لا يصدق على عامة الأحلام .وما ينبغي أن نتصور أن سائر الأحلام ضرب من التنفيس عن النفس المكبوتة ؛فإن شطرا عظيما من الأحلام يجد تأويله في الواقع ؛إذ يتكشف ويستبين .أما الزعم بأن الأحلام كلها مجرد كبت وتنفيس عن طريق اللاشعوري من جهاز النفس ؛فذلك افتراء وباطل ولغط وركون إلى المادية الثقيلة بعيدا عن إشراقات الروح الساطعة السامية التي تعلو على المادة وظلها المتبلد المركوم ؛فنجرم بعد هذا أن الأحلام أصناف ،فمنها الأضغاث المختلطة التي يجدعا النائم في رؤياه نتيجة لما يواجهه في الواقع من مشكلات عسيرة ومضنية تضطرب لها نفسه وأعصابه .ومنها الصادق في الإنباء عما جرى أو يجري فيما بعد .وذلك من جملة المبشرات التي تخبر عما يستكن في بطون الغيب مما هو حاصل في الواقع .