قوله تعالى:{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}{طوعا وكرها} ،منصوبان على الحال .وقيل: على المصدر .أما معنى الآية هذه: فما ينبغي الاعتماد على تأويل السجود على معناه الحقيقي وهو وضع الجبهة والكفين على الأرض ،فغن هذا التأويل سيفضي إلى افتراض السجود على أهل الكتاب إكراها ،وهم قبل ذلك غير مكرهين على التزام الإسلام ،إذ لا إكراه في الدين .
أما التأويل الحق أن يفسر السجود بالانقياد ؛فغن جميع العباد –مؤمنين وكافرين- منقادون لفعل ما أراده الله فيهم ،شاءوا أو أبوا ؛فهم وإن لم يسجدوا لله سجودا حقيقيا لكنهم منقادون لأمره فيهم بالصحة والمرض ،والحياة والموت ،والفقر والغنى .ومثل هذه الحقائق والظواهر والصفات يشترك فيها المؤمنين والكافرين .قوله:{وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} الغدو ،ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس .والغداة بمعنى الضحوة ،وتحمل على أول النهار .والجمع غدوات{[2334]} .{والآصال} ،جمع ومفرده الأصيل ،وهو العشي .وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب{[2335]}{وَظِلالُهُم} معطوف الاسم الموصول{من} والمراد: أن ظل كل شيء يسجد لله في هذين الوقتين وهما أول النهار وآخره ،ووجه ذلك: أن الضلال إنما تتبع أصحابها من الناس في الحركة والامتداد والتقليص ؛فهي بذلك منقادة معهم لله وذلك هو سجودها{[2336]} .