قوله تعالى:{قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ( 39 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 40 ) قال هذا صراط على مستقيم ( 41 ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ( 42 ) وإن جهنم لموعدهم أجمعين ( 43 ) لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ( 44 )} ما ،في قوله: ( بما ) مصدرية ؛أي بسبب إغوائك إياي ،وقيل: الباء للقسم ؛أي أقسم بإغوائك إياي ( لأزينن لهم في الأرض ) فقد أقسم إبليس على أن يزين المعاصي لذرية آدم في الدنيا بما يجعلها تروق لهم فيستحسنونها ويجدون فيها ما يثير فيهم القبول والاستمتاع فيقبلون عليها إقبالا جامحا ومغاليا .وهم بذلك يركضون لاهثين جامحين ؛إذ تستنفرهم الغرائز المشبوبة وتؤزهم الشهوات المستشرية في العميق من طبائعهم .والمراد بالأرض ،الدنيا ؛فهي محل متاعها ودارها .بل هي دار غرور يفتتن الناس بطيباتها ولذائذها وزخرفها ؛فهي بذلك مستقر للتزيين والإغواء والإضلال .
قوله: ( ولأغوينهم أجمعين ) إغواء الشيطان يعني تزيينه الباطل في أعين الناس وحسهم لكي يفعلوه .ولأغوينهم ،أي لأضلنهم عن الهدى وأرغبنهم في الباطل وصنع كل محظور .ثم استثنى إبليس من جملة ذرية آدم عباد الله المخلصين وهو قوله: ( إلا عبادك منهم المخلصين ) بفتح اللام ؛أي الذين أخلصتهم لطاعتك والتزام شرعك ومنهاجك بأن وفقتهم لذلك .فأولئك ليس لي عليهم سلطان ،ولا اقتدار على إضلالهم .وقرأ آخرون اللام بالكسر في المخلصين ؛أي إلا عبادك الذين أخلصوا لك العبادة والطاعة ولم يشركوا معك في ذلك أحدا سواك فكانوا مبرأين من كل شرك أو رياء .