قوله تعالى:{وآت ذا القربى حقه والمساكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( 26 ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ( 27 ) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ( 28 )} بعد الأمر ببر الوالدين وطاعتهما عطف بذكر الإحسان إلى أولي القربى والمساكين وأبناء السبيل .والظاهر أن الخطاب لعامة المسلمين ليضطلعوا بما يناط بهم من واجب الإنفاق على من تجب لهم النفقة فقال: ( وآت ذا القربى حقه ) فتجب النفقة على المقتدر لمحارمه الأقارب إن كانوا محتاجين .فما تبرأ ذمة المكلف من واجب الإنفاق على المحاويج من أقاربه المحارم حتى يؤدي لهم النفقة .وفي ذلك من سدّ لخلتهم ومواساة لهم وتأليف لقلوبهم واستدرار مودتهم ما لا يخفى .
وكذلك المسكين .وقد تقدم الكلام في معناه سابقا .وجملة ذلك: أن المسكين من لا شيء له يكفي عياله .وقيل: الفقير القاعد في بيته لا يسأل الناس ،والمسكين الذي يسأل .وقيل: الفقير الذي له بعض ما يقيمه ،والمسكين أسوأ حالا من الفقير .وهو قول الجمهور من العلماء{[2672]} ؛فإنه يدفع إليه ما يفي بقوته وقوت عياله .
وكذلك ابن السبيل ،وهو المسافر المنقطع به ،وهو يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به{[2673]} ،وهذا يستوجب أن يعطى من المال ما يعنته على سفره حتى يبلغ مقصده .
قوله: ( ولا تبذر تبذيرا ) التبذير معناه الإنفاق في غير الحق وهو الإسراف .وقيل: النفقة في معصية الله وفي غير الحق وفي الفساد .أما من أنفق في الشهوات ،هل هو مبذر ؟فيجاب عن ذلك بأن من أنفق ماله في الشهوات زائدا على الحاجات وعرّضه بذلك للنفاذ فهو مبذر .وإذا لم يعرضه للنفاد فليس بمبذر .ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر يحجر عليه ،ولا يحجر عليه ببذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد .