{تَبْذِيراً}: إسرافاً .قال صاحب مجمع البيان: التبذير: التفريق بالإسراف ،وأصله أن يفرّق كما يفرّق البذر ،إلا أنه يختص بما يكون على سبيل الإفساد ،وما كان على وجه الإصلاح لا يسمى تبذيراً وإن كثر
التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم
في هذه الآيات حديثٌ عن التوازن في تحريك المال وتوجيهه نحو المواقع التي أراد الله للإنسان أن ينفقه فيها ،وتخطيطٌ للأسلوب الأخلاقي الذي يواجه به الإنسان الحالات الصعبة لبعض الناس المحتاجين للعون من دون أن يستطيع القيام بأيّ شيء تجاهها ،ليعيش المشاركة الشعورية حيث لا يملك المشاركة بالمساعدة المالية .
{وآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} في ما فرضه الله له من الحق ،أو ما تقتضيه طبيعة العلاقة الخاصة من حق طبيعي .والمراد بذي القربىعلى ما يبدوالذي يرتبط بالإنسان برابطة القرابة التي تفرض حقوقاً واجبة تجاه بعض الأقرباء كالأبوين والأولاد ،أو حقوقاً مستحبة كصلة الرّحم بين الأقرباء .وهناك تفسير آخر ذهب إليه السدي ،وهو أن المراد به قرابة الرسول ( ص ) ،وذلك لما روي عن الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين ) ( ع ) ،أنه قال لرجل من أهل الشام ،حين بعث به( ع ) عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية: أقرأت القرآن ؟قال: نعم .قال: أما قرأت{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} ؟قال: وإنكم ذوو القربى الذين أمر الله أن يؤتى حقه ؟قال: نعم .وهو الذي روي عن الإمامين الباقر والصادق( ع ) .{وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} من خلال ما فرضه الله لهما من الزكاة وغيرها .
وهكذا تؤكد هذه الفقرة على العطاء الذي يحقّق غايتين إنسانيتين في شخصية المعطي ،من حيث انفتاح روحه على مشاكل الآخرين ،وتفاعله معهم ،ما يساهم في تنمية المشاعر الروحية الطاهرة ،وامتداد مسؤوليته في حياة الإنسان المحروم ،وفي حياة هؤلاء الذين يرزحون تحت ضغط الحاجات الحياتية ،إذ عندما يعيشون روح المشاركة الإنسانية من إخوانهم ،يشعرون بالثقة في مواجهة مشاكل الحاجة ،ويحسون بالطمأنينة النفسية أمام كل حالات القلق والخوف من المجهول .وهكذا يركز التشريع الإسلامي قاعدة التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم ،من موقع المفهوم الإسلامي الذي يفرض العطاء كمسؤوليّة ،ويؤكد على الإحسان كحالةٍ روحيةٍ إنسانيةٍ في أجواء الآخرة بعيداً عن الشعور بالشفقة المذلّة التي ترهق كرامة الإنسان .
التبذير نهج غير إسلامي
{وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} التبذير يمثل نوعاً من صرف المال بطريقة غير متوازنة في الكمّ والنوع ،بحيث لا يستفيد منه الإنسان ،على مستوى النتائج ،بشكل طبيعي ،بل قد يؤدي إلى لونٍ من ألوان فقدان التوازن الفكري والعملي في وظيفة المال في الحياة ،التي تتلخّص في تلبية حاجات الإنسان العامة والخاصة بحجمها المحدود ،دون أية زيادةٍ مفرطةٍ ،وبذلك يمثل التبذير المالي حالةً مزاجيةً تنطلق من الهوى النفسي الخاضع لبعض المؤثرات الذاتية المرضية التي تلتقي بالفساد والإفساد بعيداً عن أية مصلحة معقولة للحياة .
ومن خلال هذا التفسير للتبذير ،نعرف أن طبيعته تلتقي بالصرف اللاّمسؤول الذي يعني العبث بالمال والانحراف به عن دوره الوظيفي في حياة الإنسان ،فيشملمن حيث الإيحاءإنفاق المال في غير حقه وإن كان قليلاً ،ولا يشمل إنفاق جميع ماله في الحق ،لأن خسرانه لماله يتضمن تعويضاً مماثلاً من خلال ما حصل عليه من منفعة للحق وللإنسان .
وهذا ما يريد الإسلام للإنسان أن يمتنع عنه ،لأنه يؤكد على عدم ذهاب شيءٍ في الحياة بدون مقابلٍ ،وهو ما يمثل مصلحة للحياة .