{للأَوَّابِينَ}: الأواب: التواب الراجع عن ذنبه .
مراقبة الله في النفس والعمل
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} فهو الذي يعرف من خفاياها ما لا يعلمه الناس ،أو ما لا تعلمونه أو لا تلتفتون إليه إلا بعد حين ،ولذلك فلا بد لكم من دراسة كل نبضات قلوبكم ،وخلجات مشاعركم ،ولفتات أعينكم ،وخطرات أفكاركم ...قبل أن تتحول إلى حركةٍ فاعلةٍ في الداخل ،أو إلى جزء من الذات ،في ما تمثله من مواقف روحيةٍ وفكريةٍ ،لتستريحوا إلى النتائج الإيجابية التي يرضاها الله ويحبّها ،فإن العمل يبدأ من الداخل ويتحرك من مواقع الفكرة والشعور فيه ،ما يفرض على الإنسان أن يحسب حساب الله في حركة الفكرة في أعماق النفس ،قبل أن يحسب حسابه في حركة العمل في الخارج ،ليطمئن للاستقامة على الخط قبل أن يبدأ في العمل ،ليضمن لنفسه رضوان الله في الآخرة الذي يريده الإنسان في خط الطاعة لله .
{إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ} وذلك لما يمثله الصلاح من إخلاصٍ لله في الروح والفكر والشعور ،واستجابةٍ له في الحركة والعمل ،لأنه ليس مجرد مظهرٍ يوحي بالخير ،بل هو قاعدةٌ تشمل الفكر والروح والشعور والحياة ،في النيّة والنبضة واللفتة والكلمة والحركة ...{فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً} وهم الراجعون إلى الله في ما ينوبهم ،أو المطيعون المحسنون ،أو الذين يتوبون من ذنوبهم فيرجعون إليه بعد ابتعادهم عنه بالمعصية .هؤلاء الذين يخلصون له في العبودية ،وينفتحون عليه في كل شيءٍ ،ويلجأون إليه في جميع المشاكل ،فيغفر لهم ذنوبهم ،ويرضى عنهم ،ويتقبلهم بقبولٍ حسن ،ويدخلهم جنته ،وذلك هو الفوز المبين .وربما كان في الآية نوعٌ من التلميح لما يمكن أن يكون قد صدر من الولد تجاه والديه من إيذاءٍ في القول والفعل فتاب عن ذلك .