وبعد أن بين سبحانه حق الأبوين ، وهو الإحسان في أعلى درجات الإحسان بين حق ذوي القربى فقال:
{ وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( 26 ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشياطين لربه كفورا ( 27 )} .
وذو القربى هو ذو القرابة ؛ لأن القربى مؤنث الأقرب ، أي يعطى ذا القربى الأقرب فالأقرب حقه ، وحق ذي القربى نوعان:حق العطاء إن كان فقيرا فإن عليه نفقته إذا احتاج ، كما أنه يرثه إذا مات غنيا ، وقد قال تعالى:{ ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ( 61 )} [ النور] .
ولا يقتصر العطاء على المحارم ، بل ذوو الأرحام جميعا لهم حق في ماله إذا احتاجوا ، وقد قال تعالى:{. . .وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله . .( 75 )} [ الأنفال] .
والنوع الثاني من حقهم أن يصلهم بالمودة الواصلة فيزورهم ويعودهم ، ويتعرف أحوالهم ، ولو كانوا لا يصلونه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من يصل رحمه عند القطيعة"{[1424]} ، ولقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم تبارك في الرزق ، وتبقى الأثر بعد الموت ، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من أراد منكم أن يبارك له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه"{[1425]} . وذكر الزمخشري حقهم غير المالي فقال:( حقهم صلتهم بالمودة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك ) .
هذه إشارات إلى حق ذي القربى ، وأما حق المساكين وابن السبيل ، فهو إطعامهم ، وكسوتهم ، وإيواؤهم ، وذلك بالصدقات يعطيهم ، وألا يبت شبعان وغيره جوعان .
ونجد أن النص القرآني يشير إلى أن الأسرة ممتدة ، وإلى أن الضعاف لهم حق في المال ، وهو حق السائل والحروم وأي مال في سبيلهم لا يعد تبذيرا ولا إسرافا ، إنما التبذير والإسراف في غير هذه الحقوق التي يجب سدها ، وإن الحق الذي يلي حق الأسرة في المال حق المساكين وأبناء السبيل والفقراء بشكل عام ، سواء أكانوا مساكين أم كانوا متجملين لا يسألون الناس إلحافا .
وقد نهى سبحانه عن التبذير فقال عز من قائل:{ ولا تبذر تبذيرا} ، وتبذير المال ليس هو صرفه في حقه ، بل هو تفريق المال فيما لا ينبغي وبالأولى إنفاقه في الحرام ، ومما لا ينبغي ويعد تبذيرا إنفاقه في المفاخرات ، وكل إنفاق في حرام أو ما لا يحسن للفخر ولو قليلا يعد تبذيرا وإسرافا ، ولقد روى عن مجاهد أنه قال:( لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا ، ولو أنفق جرهما في غير حق كان مبذرا ) .