وقوله: ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) ذلك بيان لحال الصلاة والمصلين في ساعات الخوف والفزع إذا همهم العدوّ أو كانوا معه في تلاحم وقتال .
والرجال جمع مفرده راجل أو رجل وهو الإنسان إذا عدم المركوب ومشى على قدميه .وعكس الرجال الركبان ،وهو جمع مفرده الراكب ،سواء كان المركوب من الخيل أو الإبل أو غير ذلك من المطايا أو ما كان من مستحدثات العصر كالسيارة أو الطيارة أو السفينة ونحو ذلك ،والمراد أن الصلاة حين الخوف من العدو أو غيره لا مناص من أدائها ولا مجال للاعتذار عنها مهما تكن الظروف ومهما اشتدت الخطوب أو ادلهمّت .فإذا كان المسلم في ساعات الخوف ،والتحم مع العدو التحاما جاز له أن يصلي ماشيا على قدميه أو راكبا ،مستقبل القبلة أو مستدبرها .فقد كان عبد الله بن عمر إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا على أقدامهم أو ركبانا ،مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ،وهو ما رواه البخاري وفي رواية أخرى لمسلم عنه: فإن كان خوف أشد من ذلك فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء .
وجاء عن عبد الله بن عباس قال في هذه الآية: يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه .
وجاء عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: إذا كانت المسايفة فليومئ برأسه إيماء حيث كان وجهه فذلك قوله: ( فرجالا أو ركبانا ) .
وقال الأوزاعي في ذلك كلاما جيدا وهو: إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء ،كل امرئ لنفسه ،فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال ويأمنوا فيصلوا ركعتين ،فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ،فإن لم يقدروا لا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا .
على أن سبب الخوف الذي رخّص فيه للمسلم أن يصلّي راجلا أو راكبا مستقبل القبلة أو مستدبرها ،فموضع خلاف للعلماء ،فقد ذهب الشافعي إلى أنه الخوف الذي سببه العدو .فإذا أطل العدو على المسلمين حتى تراؤوا فيما بينهم ،أو جاءهم من يخبرهم بأن العدو قريب منهم وكان المخبر مصدوقا وموثوقا به جاز لهم أن يصلوا صلاة الخوف التي تضمنتها هذه الآية .
وذهب أكثر أهل العلم إلى أن سبب الخوف يستوي فيه أن يكون عدوا أو حيوانا مخوفا يريد أن يفترسه ،أو سارقا أو متلصصا يريد سلبه وقتله .فإن ذلك كله يبيح للخائف أن يصلي صلاة الخوف المذكورة ،وهو الذي نرجحه ونميل إليه استنادا إلى الظاهر من مطلق الآية التي لم تتقيد بسبب من أسباب الخوف .
وقوله: ( فإذا آمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) أي إذا زال الخوف واطمأننتم وجب عليكم أن تذكروا الله بأداء الصلاة على وجهها الأكمل بما فيها من قيام وركوع وسجود وقعود وخشوع ،وعليكم كذلك أن تبادروا بالشكر لله الذي هداكم لدينه ،وعلمكم من الأحكام ما لم تكونوا تعلمونه من قبل ،وشرع لكم من التيسير والتسهيل ما يدرأ عنكم كل حرج{[327]} .