قوله تعالى: ( إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (الكفر معناه الجحد ،وهو أن يجحد الكافر نعمة الله وفضله فيقابله بالعصيان والإنكار ،ويأتي بمعنى الستر والتغطية ،فالكافرون هم الذين يسترون الحق ويغطونه بغشاء الباطل لسوء في طبائعهم ومرض في قلوبهم ،والكفار هم الزراع الذين يغطون الحب في الأرض بعد شقها ليستروه بالتراب ،وفي ذلك يقول سبحانه: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته (أي أن النبات قد أعجب الزراع الذين طمروا حباته في الأرض .
قوله: ( سواء عليهم ءأنذرتهم (سواء مبتدأ ( ءأنذرتهم (وما بعده خبر ،والتقدير: سواء عليهم الإنذار وعدمه ،والهمزة ،الأصل فيها الاستفهام ،والمراد بها هنا التسوية ،وأنذرتهم فعل وفاعل ومفعول ،وأم ،عاطفة .{[19]}
وفي هذه الآية إنباء عن فريق من الكافرين قد سبق في علم الله أنه سيموت على الكفر ،وأن هذا الفريق ( سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (سواء معناها معتدل ،أي يتساوى ويعتدل عند هؤلاء الجاحدين أن يستمعوا للنذير أو لا يستمعوا فإنهم فئة من الخلق ميؤوس منها فلن تؤمن أبدا ،وذلك تمشيا مع علم الله في الأزل أن هؤلاء سيمضون في طريق الكفر مختارين ،وبناء على ذلك فإن قوله: ( إن الذين كفروا(يفيد بظاهره العموم ،لكنه يراد به الخصوص ،وقيل: إن الآية نزلت في كبراء اليهود الضالين أو في آخرين غيرهم ممن ماتوا على الكفر ،إلا أن القول الأول هو الذي نطمئن إليه ،والله سبحانه أعلم .