{والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون} الأمانات جمع أمانة ،وهي كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين والدنيا .أو هي ما يؤتمن عليه من جهة الحق والخلق ؛فهي تشتمل على سائر العبادات وغيرها من المأمورات ؛فإن المرء مؤتمن على كل ذلك .وتتناول الأمانة أيضا كل ما كان تركه داخلا في الخيانة لقوله تعالى: ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم ) .
وعلى العموم فإن الأمانة ما يلتزمه المرء من قول ،أو فعل فيلزمه الوفاء به كالودائع والعقود وما يتصل بهما .
أما العهد: فهو في اللغة بمعنى الأمانة واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية{[3156]} .
والمراد بالعهد: ما عقده المرء على نفسه فيما يقربه إلى ربه .وهو يدخل فيه العقود والأيمان والنذور .على أن الأمانة أعم من العهد .فكل عهد أمانة فيما تقدم من قول أو فعل ،فهو بذلك أخص من الأمانة ،والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا ،وإن كان العهد أخص من الأمانة .
وجدير ذكره هنا أن هذه صفة خاصة للمؤمنين وهي أنهم يرعون أماناتهم وعهودهم .فلا يخونون الأمانات ،ولا ينقضون العهود والمواثيق ،ولا يفرطون في شيء التزموه قولا أو فعلا .وذلك أن المؤمن وفي وصادق ومؤتمن ؛فهو لا يغش أو يمكر .ولا يتحيل أو يخادع .وإنما هو صريح ومستقيم وأمين ،ولا يختلف فيه الظاهر عما يخفيه الباطن من مكنون .وهذه هي سجية المؤمنين في الصدق والاستقامة والوضوح ؛فهم ليسوا كأولئك الذين لا تستوي فيهم الظواهر والبواطن ،وإنما يظهرون بألسنتهم وهيئات سلوكهم حلاوة المظهر وجمال الصورة والسمت ،وهم في الحقيقة يكنون في طبائعهم الغش والباطل كأدعياء الحضارة المادية الكاذبة التي بنيت على الخداع والتدسس والنفاق والمراوغة والميكافيلية .
إن المؤمن صادق مؤتمن لا يخادع ولا يخون ؛بل يؤدي إلى من ائتمنه ولا يخون من خانه ،ولا ينقض عهد من نقض عهده ،ولا يغدر بمن غدر به .