الوصف الخامس:مراعاة الأمانة ، وهكذا انتقلت الآيات من مرتبة النفس إلى التعاون الاجتماعي إلى إقامة الأسرة على أساس العدل ، والمحافظة على النسل ، ثم بينت بعد ذلك الأسس التي يقوم عليها التعامل الإنساني ، وهو الأمانة ، فقال عز وجل من قائل:
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8 )}
الأمانة:ما يؤتمن عليه الإنسان ، والعهد ما يكون اتفاقا بين طرفين يتعهد كل واحد لصاحبه ، والمحافظة على الأمانة والعهد من صفات المؤمنين ، وخيانتهما من صفات المنافقين ، وقد ورد في الحديث الصحيح ( آية المنافق ثلاث:إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا عاهد غدر ) ، وزيدت في رواية أخرى رابعة ، "وإذا خاصم فجر".
ورعاية الأمانةوالعهد القيام عليهما وملاحظتهما ، والدقة في المحافظة عليهما ، كما يرعى الراعي رعيته ، وقال الزمخشري في ذلك:والراعي القائم على الشيء يحفظه بهمة وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية ويقال:من راعى هذا الشيء أي متوليه وصاحبه .
وإن اللفظ يشمل كل ما يؤتمن عليه الإنسان من مال وشرف ، وسر وعرض ، وكل ما يطلع عليه الإنسان ، ولا يكون من المروءة إعلانه ، وكل ما يعاهد عليه ، ويكون من البر والخير والوفاء به ، ولقد قرن الله تعالى الأمر بأداء الأمانة بالأمر بالعدل ، فقال تعالى:{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ . . . ( 58 )} [ النساء] ، فأداء الأمانات وإقامة العدل يستقيم بهما أمر الناس ، ويتعاونون فيما بينهم من غير شطط ولا مجاوزة للحد ، ويكون المجتمع فاضلا .
وقرنت خيانة الأمانة بخيانة الله ورسوله ، فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 27 )} [ الأنفال] .