قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ( 14 ) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}{أَلْفَ سَنَةٍ} منصوب على الظرف .و{خَمْسِينَ عَامًا} منصوب على الاستثناء ،وهو عند سيبويه بمنزلة المفعول .وقيل: إنه مفعول محض كقولك: استثنيت زيدا{[3547]} .
هذه قصة نوح عليه الصلاة والسلام يذكرها الله تسلية لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم كيلا يغتم أو يجزع مما أصابه من قومه من شديد الإعراض والأذى .فلقد لقي نوح من قومه من المكاره والآلام والألوان الصدّ ما يعزّ على الوصف وما لا يطيقه غير أولى العزائم من النبيين الميامين .لقد دعا قومه إلى دين الله ونبذ الشرك ألف سنة إلا خمسين وهو يحاورهم خلال هذه المدة الطويلة ،في الليل والنهار ،في السر والعلن .فما كان يزيدهم ذلك إلا عتوا وكفرانا ،حتى دعا عليهم دعاءه المعروف فاستجاب الله دعاءه{فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} أهلكهم الله بالتغريق المدمر الجارف ،إذ انفتحت عليهم السماء بماءها المنهمر ،وتفجّرت الأرض عيونا دافقة غامرة حتى طمت المياه وجه الأرض فصارت بحرا هادرا لُجيّا تتلاطم فيه الأمواج الجارفة الثقال ،فغرق القوم{وَهُمْ ظَالِمُونَ} الجملة في موضع نصب على الحال: أي هلكوا بالطوفان وقد ظلموا أنفسهم بكفرهم .