قوله:{وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} كأين في موضع رفع مبتدأ بمنزلة ( كم ) .و{مِن دَابَّةٍ} تبيين له .و{لا تَحْمِلُ} في موضع جر صفة لدابة .{اللهُ}: مبتدأ ،وخبره الجملة ،{يَرْزُقُهَا} .والجملة من المبتدأ والخبر في موضع رفع خبر كأين{[3579]} والدابة ،والدبيب: كل ماش على الأرض{[3580]} ،وقال ابن عباس: الدواب كل ما دب من الحيوان ،فكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر .
وفي الآية يدعو الله جل وعلا المؤمنين به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يهاجروا على حيث العبادة والطاعة والتزام شرع الله في أمن وطمأنينة ،مجانبين الفتنة والضلال ،ويدعوهم أيضا أن يجاهدوا الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ويكيدون للإسلام والمسلمين كيدا ،وأن لا يخشوا افتقارا أو قلة ؛فإنما رزقهم على الله ،يرزق من يشاء بغير حساب .وهو سبحانه الخالق الرازق لا ينسى من فضله أحدا من خلقه ؛فكم من دابة محتاجة إلى غذاء وشراب{لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أي لا تحمل معها غذاءها فتخزنه لغدها ؛فإنها عاجزة عن فعل ذلك{اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} يتساوى المرزوقون في تحصيل الرزق ،الحريصون منهم أو المتوكلون ،والراغبون أو القانعون ،والجادون أو العاجزون ،فكل مرزوق بفضل الله وتقديره .وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم توكّلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ،تغدو خماصا وتروح بطانا ".
قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الله يسمع قولكم: نخشى بالهجرة ومفارقة الأوطان أن نفتقر ويمسنا البؤس والحاجة .وهو يعلم ما تخفونه في قلوبكم وما أنتم صائرون إليه{[3581]} .